جان عزيزانقلبت الأدوار جزئياً، بين السياسة الأميركية في لبنان، وخصوصاً موقف واشنطن من حزب الله وسلاحه، وتعامل فريق الموالاة مع هذه القضية. هكذا يلاحظ بعض السياسيين الدائمي الاتصال بأهل عوكر وناظرتها الجديدة وسلفها الدائم الحضور.
يقول هؤلاء إنه قبل فترة ليست ببعيدة، كان الأميركيون عندنا في موقع «التشجيع» على طرح قضية «الحزب» وسلاحه، وكان هؤلاء يمطرون سياسيي الموالاة بالاتصالات، سائلين عن «ملف شبكة الاتصالات»، ويطرقون رؤوسهم بالرسائل الخلوية القصيرة، التي اشتهر بها جفري فيلتمان، ولم تعتد عليها خليفته. وفي تلك الفترة كان القسم الغالب من مسيحيي الموالاة يحاول تخفيف الاندفاعة الأميركية ضد «الحزب»، حتى إن بعضهم كان قد سعى أكثر من مرة إلى تقديم نظريات مبتكرة لتعامل واشنطن وممثليها مع التنظيم الشيعي الكبير، فكانت مقاربات تنظّر لأجنحة متباينة داخل «الحزب»، وكانت اجتهادات في اعتبار هؤلاء مثل أطياف «الإخوان» الذين يجري استيعاب بعضهم في مصر ودول عربية أخرى.
ويتابع السياسيون المتصلون بعوكر، أنه في مرحلة انتقالية رمادية ما، انقلبت الأدوار. صار الموالون هم المندفعين في التحريض على «الحزب»، وصار الأميركيون هم المنكفئين.
هل لهذا التبدّل علاقة بحوادث 7 أيار الماضي، بخلفياتها ونتائجها؟ لا يمكن الجزم، يرد «المتصلون»، لكن الأكيد أن تلك شكلت مفصلاً زمنياً واضحاً في سياق تظهير هذا التبدّل في الأدوار والأداء والمواقف. كيف؟ بعد الهزيمة العسكرية لقوى الموالاة المسلحة في بيروت وبعض المناطق، وبعد «الصمت المريب» الذي التزمته واشنطن حيال ذلك، بحسب اعتقاد الموالين، يؤكد المتصلون بعوكر أن سيلاً من الرسائل اليومية عادت تصل إلى السفارة الأميركية، ومرسلوها سياسيو الموالاة وأحزابها. أما المضمون، فكميات لا تحصى من «المعلومات» و«التقصيات» و«التقارير» و«الإخباريات» و«الخطيطات» عمّا يسمونه التفشي السرطاني لسلاح حزب الله. ويكشف هؤلاء أن القسم الأكبر من هذه «المعطيات» يركّز على أمرين اثنين: الأول هو ما تصفه «تقارير» الموالاة بانتشار حزب الله على «خط القمم» اللبنانية، من تومات نيحا على حدود جزين ـــــ الشوف، إلى الهرمل. والأمر الثاني هو ما تصنفه التقارير نفسها ضمن باب الحركة اللوجستية للحزب، وخصوصاً لجهة مزاعم التدشيم والتحصين التي تنسبها إليها في مناطق الجنوب.
ويشير «المتصلون» أنفسهم إلى أن تقارير الموالاة كانت تركز في المسألة الأولى على التقدير والتخمين، أن ما تصفه بانتشار حزب الله على خط القمم، لا يمكن أن يكون مرتبطاً بأي خطوة وقائية حيال عملية عسكرية إسرائيلية مرتقبة أو محتملة. وفي هذا السياق كانت التقارير تدأب على سرد وقائع وأسماء و«ظواهر»، تسمح لخلاصاتها بالاستنتاج أن «الحزب» يعد لمعركة عسكرية داخلية كبرى، تشمل كل لبنان.
غير أن «التقارير» نفسها لا تلبث أن تقع في تناقضها الداخلي، حين تتناول المسألة الثانية. ذلك أنها غالباً ما تركز على رصد ومتابعة ما تسميه خطوط نقل الإسمنت وحركته نحو الجنوب، علماً بأن هذا التركيز كان غالباً ما يعمد إلى التفصيل الممل، في محاولة لإلقاء صيغة معلوماتية على «التقارير» المكتوبة، فتأتي «الحيثيات» لتثبت عدد الشاحنات وحمولاتها ومحطاتها المتعددة، وحركة توقفها وتفريغها وإعادة ملئها وسيرها إلى عمق المناطق الجنوبية... لماذا إلى الجنوب بحسب «التقارير» الموالية الزاعمة نفسها؟ لإعادة تدشيم وتحصين مواقع «الحزب» في مواجهة إسرائيل. وبالتالي هل الاستعداد للداخل أو للخارج؟ يسكت «المتصلون» عن متابعة هذا المنطق الأمني، لأن مندرجاته قد تبلغ نقاطاً حساسة.
لكن المهم، بحسب المطلعين على أجواء عوكر وزوارها في الاتجاهين، أن الأميركيين باتوا يتعاملون مع كل ما سبق ببرودة لافتة، وخصوصاً أن هذه «الحيادية» النسبية أصبحت تترافق لدى «العوكريين» مع اقتناعين واضحين ومعلنين: أولاً تقدير سلبي جداً لأشخاص فريق الموالاة، وثانياً إدراك ثابت جداً، أن سلاح حزب الله مسألة لا يمكن معالجتها عبر أي استحقاق لبناني داخلي أو حدودي، وهي بالتالي قضية متروكة لتطورات الوضع في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
ماذا عن التفاصيل؟ يتحفظ «المتصلون» بعوكر عن ذكر الوقائع والأمثلة، لكنهم يؤكدون أن ما يقال عن سياسيي الموالاة في أوساط دبلوماسيي واشنطن، يتخطى بسلبيته اقتناعات المعارضة حيالها بأشواط، أقله لناحية الصدقية والجدية والفاعلية و«معرفة الكيف». أما عن سلاح «الحزب»، فالاعتراف بات معلناً في أوساط عوكر بأنه حتى تحرير آخر الأسرى واستعادة كل مزارع شبعا، لا يمكن أن يحلا قضية حزب الله جذرياً.
هل يعني ذلك أن سعي رايس على هذا الخط غير جدي؟ طبعاً لا، لكنها محاولة، من دون أوهام حول نجاحها، ومن دون رهانات واهمة حول ما بعدها.
يخلص المتصلون إلى القول، إنه يبدو أن ثمة بين واشنطن وعوكر من لم يعد يوهم نفسه، وإن كان لا يزال قادراً عفواً على إيهام الآخرين؟