هاني نعيم
قرّر طلاب السنة الثالثة فن تشكيلي في معهد الفنون الجميلة ــ الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية، إضفاء «مناخ» تشكيلي على البيت العلماني الذي ينظم مجموعة من النشاطات في ذكرى الحرب

هنا، يتكوّن اللون وتجتمع الفكرة، لتكوّن «مناخاً» يبتعد فيه طلاب معهد الفنون الجميلة عن كونهم طلاّباً تقليديين، فلا يمارسون «النق» على تقصير الجامعة تجاههم، وغيرها ن «الكليشهات» التي ترفع عادةً. هذا هو معرضهم الأوّل، إنّهم في الواجهة.
«أشعر أنّ جزءاً من شخصيّتي دائم الحضور في اللوحة، واليوم أحسستُ بأنني مزلّطة أمام الناس»، تقول بسمة التي تجسّد أعمالها تساؤلات تسكنها.
بعيداً عن «عيون» بسمة، تتآلف عفويّة الألوان المتقاربة كالعاشق والمعشوق في لوحات شارلي صادر التجريدية. أمّا في اللوحات التعبيريّة، فالإنسان متداخل الخطوط، قاسي الأعماق، يرسمه شارلي على حقيقته، ويبحث عن تفنيد النفس الإنسانية لمعرفة خيرها من شرّها، مشيراً إلى «أننا في لبنان ما زلنا أفضل من غيرنا، فالإنسان هنا ما زال صاحب نفس خصبة لقبول الخير». لكنّ ذلك لم يمنع شارلي من التطرّق إلى الذوق الفنّي للمجتمع اللبناني، ويقول: «في لبنان يلزمنا إعادة تأهيل على المستوى الفنّي من موسيقى وشعر ورسم، فالمتذوقون أقليّة، وثقافتهم الفنيّة غير كافية». هنا يدعو شارلي الأهل إلى تدريب أولادهم على ارتياد المسرح، والمعارض الفنيّة، إلى جانب مدينة الملاهي، انطلاقاً من ضرورة إدخال الثقافة الفنية إلى ذهنية الجيل الجديد، مؤكداً أهمية دور المدرسة في بناء هذه الذهنية.
قريباً من لوحات شارلي، ينأى «الآخر» بذاته في لوحة جانين التي رسمتها اعتذاراً منها إلى صديقة، و«عرض اللوحة أمام الناس يعني أنني أعتذر أمامهم كلّهم»، تقول جانين التي تشرح أنّ انكسار اللوحة يعكس انكسار الصداقة.
واختارت جانين «تكرتعت» عنواناً للوحة أخرى في محاولة للتخفيف من الجدية والحواجز بينها وبين ذاتها، «فهذا المصطلح يختلف معناه بين منطقة وأخرى، ويتراوح بين التعب والبرد والارتباك والضياع، فيعبّر عن انفعالات مختلفة تختلج في أعماق كل إنسان بيننا»، توضح جانين، لافتة إلى أنّ الكلمة بحد ذاتها تثير استفزاز للناس كي يسألوا عن معناها. «وقد يدفعني ذلك إلى استكشاف ذاتي، باعتبار أنني قاسية على نفسي»، تضيف جانين بابتسامة صغيرة.
وفي مقاربة الوضع الفنّي العام، تخالف جانين شارلي، ولا تلوم الناس، «لأننا مطالبون بمساعدتهم وتوجيههم نحو الأفكار والفن العميق». وترى، من جهة ثانية، أنّ لبنان يحيا اليوم بداية نهضة على صعيد كل الفنون، تشبه نهضة أيام السبعينيات، «ولكن هذه الملامح غير كافية لتبعدنا عن الحرب». ولفادي زاويته في «مناخ»، فتتناول لوحاته الأنثى والضوء، وتشير ملامح المرأة القاسية إلى هويّته العراقيّة.
لا يخلو المناخ من الإشكاليّات، فرواد غطّاس يفتح باب الأسئلة على مصراعيه، «هل الفن لأجل الفن؟ أم أنّ الفن يحمل فكرة ويدافع عنها تجاه مجتمعه؟»، وفي هذا الصدد، يشرح غطاس أن الفن في أوروبا أرّخ مراحل تاريخيّة، فالمدرسة الكلاسيكيّة أرّخت المرحلة الملكيّة والأرستقراطية، والمدرسة الانطباعيّة أرّخت الثورة الفرنسية والنهضة الأوروبية ككل، ولكن ماذا عن لبنان؟ يسأل رواد، ويجيب: «لا يمكن تقمّص التجربة الأوروبية وإسقاطها على واقعنا»، مشيراً إلى «أنّ الفن هو وسيلة للتمرّد على القيم والمفاهيم التقليدية السائدة». وأعلن رواد وقوفه إلى جانب الفن المتمرّد على واقعه الفاسد.
«ذاك المخيم»، إحدى لوحات رواد التي ترصد تجربته مخيّم البدّاوي، وتجسد الطفل الفلسطيني، والتراكمات النفسية التي يعيشها انعدام الحلم عند قاطني المخيم، وحالة الضيق التي يعيشها الإنسان هناك. هنا يؤكد رواد «أنّ الفنان يجب أن يذهب إلى الناس، يخترق واقعهم، ينتقده، فلا ينتظرهم أن يأتوا إليه»، منتقداً الفنانين الذين يرسمون لطبقة محددة من الناس، ولا يهرب من مسؤوليته تجاه مجتمعه، فالفنان يجب أن يطرح بديلاً ويخوض التغيير من موقعه.
في البيت العلماني، «مناخ» شبابي جريء، يخوض تجربته وألوانه وأفكاره و«ثورته» على طريقته، راسماً ملامح حياة يؤمن بأنها خلاص شعبه.