أنطون الخوري حرب
بات الفشل الفرنسي في إزالة التناقض بين شَرطي البدء بالرئاسة والإصلاحات يذكّر بالتناقض نفسه الذي ساد الحال الانقسامية في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل، وغوص الفرقاء السياسيين أنفسهم مع اللجنتين السداسية والثلاثية العربية، بالإضافة إلى السفير الأميركي جون ماكارثي، في صراع تثبيت أحد المطلبين كمنطلق للعملية الوفاقية التي انتهت بتثبيت الصراع والانقسام.
لقد كان لموافقة فريق السلطة على العماد ميشال سليمان وقع الاعتراف الصريح بفشل الطبقة السياسية في إيجاد حل يمنع الفراغ. ذلك أن الانقسام وصل حدّ عسكرة الفريقين، كل مقابل الآخر، فيما تتهاوى الوساطات العربية والدولية بالتوالي، بحيث أضحى الانقسام اللبناني الداخلي أقوى من الجهود الخارجية. ولو كان لسليمان قاعدة سياسية وشعبية لكان أقدر على التأثير في العملية السياسية، لكنّ استرآسه على أساس المبايعة من دون برنامج سيجعله رئيساً ضعيفاً، وعرضة للنزاع مع الأطراف الذين أوصلوه إلى سدّة الرئاسة. ولذلك ترى أطراف المعارضة أن المشكلة تكمن في تمسك كل من فريقي السلطة والمعارضة بمطلبه، فيما الحل يكمن في قبول المطلَبين معاً، والانطلاق بهما كمشروع متكامل. لكن في أجواء المعارضة ما يبعد التفاؤل بقبول السلطة هذا الحل، لأن الدور الذي تريده الموالاة للعماد سليمان هو إما دور شبيه بالوزيرين شارل رزق وإلياس المر، وإما دور الرئيس إميل لحود في أحسن حال.
فبعد مرور أيام على انطلاق «موجة» سليمان، عادت القوى السياسية المتقابلة إلى مفكراتها في ترتيب أولويات المكاسب التي تريد تحصيلها من الصفقة الرئاسية، مما يعني تجديد آلية المواجهة المستمرة وفق التوزيع الانقسامي، بالتلازم مع انحسار التوتر الإقليمي والدولي في المنطقة. فتستمر حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في وضعيتها الحالية في بيان تصاعدي محكوم بالانتخابات النيابية بإشراف عربي ودولي وجمعيات المجتمع المدني المسقلة كبديل عن انحلال الدولة والوقوع في الصراع المأساوي.
قد تكون هذه المعادلة غير مستحبة لدى رافضي الانتخابات المبكرة، فلا يبقى أمامهم إلا الرهان والعمل على تغيير الموازين السياسية والشعبية في الساحة المسيحية حتى تاريخ الانتخابات النيابية في عام 2009. لكن السلاح الذي سيستخدم في تحصيل التأييد الشعبي المسيحي سيكون التجييش المعادي من كل طرف للآخر، أي تعميق شرخ الانقسام على مبدأ وجود أو عدم وجود الدولة والكيان.
ليس للعماد ميشال سليمان إلا المحافظة على الأمن كمشروع رئاسي. ومن الصعب أن يؤتى إليه بمشروع موحّد من قوى الصراع، وأيّ مشروع تقدّمه جهة خارجية سيرفض مسبقاً من أحد المعسكرين. وفيما يمرّ لبنان في مرحلة الضوء الأصفر، أي المراوحة من دون ضوء أخضر أو أحمر نهائي، فإنّ تزكية سليمان ستكون صفراء هي الأخرى.
وهكذا تأخذ قوى المعارضة والموالاة فرصة زمنية جديدة للتعايش القسري، وينصرف اللاعبون الإقليميون إلى ترتيب أولويات مفكراتهم في المنطقة من دون لبنان.