149; عون: الفراغ لا يفزعنا ولن يخرب البلد أكثر ممّا خرّبته الحكومة
الأولويّات وآليّة التعديل تعرقل المسعى الفرنسي في يومه الثالث «لم ينجز العمل». هذه هي خلاصة يومين من الجهود التي بذلها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير لتذليل العقبات أمام الاستحقاق الرئاسي، فيما شهدت الرابية ليلاً اجتماعاً لبعض قوى المعارضة لاتخاذ موقف عشية جلسة الانتخاب

اصطدمت المساعي الفرنسية مجدّداً بتصلّب فريقي الموالاة والمعارضة في مواقفهما من الاستحقاق الرئاسي والتي تتمحور حول نقطتين: الأولى تمسّك الموالاة بأولوية الانتخاب ورفض البحث في أي موضوع آخر، بينما تصرّ المعارضة على ضرورة الاتفاق السياسي قبل الانتخاب حتى لا يكون الرئيس مكبّلاً ويحصل معه ما حصل مع الرئيس السابق إميل لحود. أما النقطة الثانية، فتتعلق بآلية التعديل الدستوري التي ينص الدستور على ضرورة مرورها عبر الحكومة، الأمر الذي يرفضه رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ومن المرجّح أن يجري تأجيل الجلسة النيابية المقررة اليوم لانتخاب رئيس الجمهورية إذا لم يفلح الوزير كوشنير بالتوصل الى صيغة وسط توفر الضمانات التي يطلبها كل فريق لتبديد توجّسه من الفريق الآخر، قبل الجلسة.

لقاء عين التينة الثلاثي

وكان كوشنير قد التقى مجدّداً في عين التينة، أمس، الرئيس بري ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري في عين التينة، بحضور القائم بالأعمال الفرنسي اندريه باران، والدكتور محمود بري ونادر الحريري. وقد أشيع أنه سيصدر بيان بنتائج المفاوضات، إلّا أن هذا لم يحصل، إذ خرج الوزير الفرنسي ليعلن أمام الصحافيين أن «العمل مستمر والاجتماعات مستمرة وسنعود لاحقاً، وستحصلون على الأخبار عندما ينجز العمل»، فيما تلقى بري اتصالين من وزيري الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما والإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، وعرض معهما التطوّرات على صعيد الاستحقاق الرئاسي، كما تلقّى اتصالاً من نائب رئيس الوزراء وزير الطاقة القطري عبد الله العطية.
وكان النائب الحريري قد بحث موضوع الاستحقاق الرئاسي في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وترأس بري اجتماعاً لكتلة «التحرير والتنمية»، جرت خلاله مناقشة الأوضاع والتطورات قبل موعد الجلسة المقررة غداً.
وعشية الجلسة، جدّد رئيس «تكتّل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون تمسكه بمبادرته، مشيراً الى عدم وجود طرح واضح حتى الآن، وقال: «نريد أن تكون الطريق معبدّة للرئيس المقبل، وما نطالب به هو حقوق، ولسنا مخوّلين التنازل عنها».
ورأى أن «العهد الجديد بحاجة إلى طريق ورؤية، من ضمنها تفسير الدستور، ولا يمكن نقل الأزمات الحاصلة في هذا العهد الى العهد الجديد، والجمهورية لن تقلّع بذهنية الماضي»، مشدّداً على «النديّة في التعامل، وما يصحّ على موقع الرئاسة الأولى يصّح على موقع الرئاسة الثالثة»، معتبراً «أن التوافق يجب أن يكون من ضمن كل الكتل»، رافضاً اتهام المعارضة بالعرقلة.
وإذ أعلن استعداده للتفاهم، وأن لا مشكلة في انتخاب العماد ميشال سليمان، شدّد على أن «الفراغ لن يفزعنا»، مؤكّداً أن «الموقع الرئاسي ثابت ولن يخرب البلد أكثر ممّا خربته هذه الحكومة، نحن في قعر الهاوية، والموالاة لا تريد الخروج من هذا المهوار».
وفي المقابل، كرر النائب غازي يوسف خلال تمثيله النائب الحريري في افتتاح ملتقى رجال المال والأعمال، أولويات الأخير، وهي «انتخاب رئيس للجمهورية ثم إجراء استشارات نيابية لتسمية رئيس حكومة، منبثق من هذه الاستشارات، وتأليف حكومة اتفاق ووفاق».
وتلاقى هذا التوجه مع مواقف لنواب في الأكثرية، شدّدت على رفضها عقد صفقات سياسية وإعطاء الأولوية لانتخاب رئيس، واتّهموا إيران وسوريا بتعطيل الانتخاب ملوّحين باتخاذ القرار المناسب إذا استمرت عرقلة الانتخابات. ورأى عضو «كتلة اللقاء الديموقراطي» النائب أكرم شهيب أن «مفتاح مجلس النواب مع نبيه بري، لكن فتح بابه لا يزال مرتبطاً بقرار إيراني ـــــ سوري». وأكد النائب سمير فرنجية عدم وجود «قرار سوري إيراني بإجراء الانتخابات»، متهماً «حزب الله» و«أمل» بوضع عون في الواجهة لتعطيل انتخاب رئيس، وشدّد على احترام الدستور.
وفيما أشار وزير الدولة ميشال فرعون إلى وجود هواجس لدى جميع الفرقاء اللبنانيين، ولدى المجتمع الدولي أيضاً، رأى أن «هنالك هواجس غير مشروعة لبعض الأطراف الإقليميين بقصد الهيمنة على السلطة في لبنان»، ورأى أن «المهم أن نلتقط جميعاً هذه اللحظة التاريخية داخلياً وخارجياً، وننتخب الرئيس التوافقي، ومن ثم ننكبّ على الحوار للاتفاق على الصيغ والحلول التي تعالج هذه الهواجس».
بدوره رأى رئيس «حركة التجدد الديموقراطي» النائب نسيب لحود بعد استقباله السفير الأميركي جيفري فيلتمان، أنه «يجب أن ينتخب الرئيس المقبل من دون أي تقييد»، وأشار إلى أنه «لم يعد هناك من عذر لعدم انتخاب رئيس جديد فوراً، بعد إجراء التعديل الدستوري».
وعن مضمون الاتصال الذي تلقّاه من قائد الجيش، أوضح لحود، أنه أكد لسليمان رغبته في زيارته «لأعبّر له أوّلاً عن مشاعري ومشاعر عدد كبير من القوى الديموقراطية في لبنان، وعن ثقتنا بأدائه في قيادة الجيش»، وأشار الى أنه سيشرح لسليمان «أنه كانت لدينا اعتراضات وتحفظات عن تعديل الدستور لا علاقة لها بشخصه، وهو ما سبق أن عبّرنا عنه في الأعوام الماضية وقد أسقطناها اليوم، في مقابل الوضع الخطير الذي يتخبط فيه لبنان».
وفي وقت لاحق، زار لحود سليمان، الذي استقبل أيضاً فيلتمان يرافقه فريق عسكري أميركي. وتناول البحث حاجات الجيش اللبناني ومتطلباته.


المعارضة لا تريد تكرار تجربة لحّود

في المقابل، أكدت لجنة المتابعة للقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية في المعارضة، أن الأخيرة كانت ولم تزل تؤيد وتدعم ترشيح سليمان، معتبرةً «أن الأزمة في البلاد لا ترتبط بخلوّ سدة الرئاسة»، وشدّدت «على ضرورة ملء الفراغ فيها بقدر ما تشمل العديد من القضايا الجوهرية الأساسية، التي يجب أن يحصل اتفاق حولها قبل انتخاب الرئيس، حتى لا يصبح بعد انتخابه رئيس إدارة أزمة مكبّلاً وغير فاعل أو قادر على قيادة البلاد»، لذلك، فإن المعارضة لا تريد للعماد سليمان أن يحصل معه ما حصل مع الرئيس لحود في السنوات الثلاث الأخيرة من عهده . وانطلاقاً من هذا الحرص، أكدت المعارضة تمسكها «بضرورة الاتفاق على سلة الحل الكاملة التي تشمل رئاسة الحكومة بالتوافق، والتمثيل في الحكومة على أساس نتائج الانتخابات النيابية، والاتفاق على قائد الجيش الجديد ومسؤولي الأجهزة الأمنية والبيان الوزاري».
من جهته، رد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ضمناً، على بيان المطارنة الموارنة الأخير، فرأى أن الأزمة الراهنة «جاءت بفعل سياسة الاستئثار والهيمنة التي بدأت منذ أخلّ فريق بالتوازن الوطني بتغييب الطائفة الإسلامية الشيعية عن الحكومة والتساهل في هذا الأمر»، مؤكّداً «ضرورة إنجاز التوافق السياسي على مستوى إدارة البلاد».

لحود لسليمان: العسكري غير السياسي

على صعيد آخر، وفي أول إطلالة إعلامية له بعد انتهاء ولايته، أعلن الرئيس لحود أنه «مقتنع ومؤمن بكل أمر قمت به في حياتي، ولن أقول انتهى كل شيء، فمن أجل مصلحة لبنان سأكمل في العمل الوطني». ونفى أن يكون قد سافر الى لندن في الأسبوع الماضي، مؤكداً أنه سيبقى في بعبدات. وأشار إلى الحملة التي شنّت عليه منذ سنتين، والمطالبة برحيله بحجة أنه غير شرعي، وقال: «ماذا يحصل الآن؟ إنهم يطالبون بتعديل الدستور ويختارون رجلاً عسكرياً، ولا بأس، فإن الرجوع عن الخطأ فضيلة». ودعا الى إجراء الانتخابات في أسرع وقت، وإعطاء عون ضمانات، مشدداً على ضرورة التوافق على كل شيء حتى لا يحصل مع سليمان «ما حصل معي».
وعن النصيحة التي يقدمها إلى سليمان، أعلن لحود أن «هذا سيكون في الكتاب الذي سيصدر بعد ثلاثة أشهر»، مؤكداً أن حياة العسكري غير حياة السياسي.
واستقبل لحود وزير البيئة المستقيل يعقوب صراف، الذي أكد «أن عودته الى الحكومة مشروطة بوضع البلاد على سكة مكافحة الفساد، وبعلاقة مميزة بين السلطة والمقاومة».