ثائر غندور
يحملون رسالة سلام، ويرفضون أن يعيشوا تجربة آبائهم وأمّهاتهم. يقولون إنّهم لا يقبلون بأن يقامر أحد بطفولتهم وشبابهم. ينتقلون بثيابهم البيضاء، من درج المتحف إلى الطريق العام، يوزعون بياناً ثم يعودون إلى درجهم يغنون ويرقصون ويدبكون. فهذا مكان ليس للحزن بل للفرح.
يعرّفون أنفسهم بمناطقهم ليؤكّدوا أنهم من جميع المناطق والطوائف، كأنّهم يقدّمون صكّ براءة من عدوٍّ اسمه الطائفية. يريدون محاربته على طريقتهم الخاصة، الاقتراب من رجال الدين والمتديّنين ليقنعوهم بعدم التمييز على أساس طائفي. لا يحملون عقدة العدد أو العدّة.
علت أصواتهم بالنشيد الوطني اللبناني، كل ساعة، من الثانية عشرة ظهراً يوم السبت إلى الثانية عشرة ظهراً نهار الأحد (أمس). ينشدون نشيد الوطن، تحت أعين القوى الأمنية التي تماهت مع المشهد، فحمل أحد العناصر هاتفه الخلوي ليصوّرهم عندما وقفوا على شكل أرزة، وبدأ آخر بالنقر على بندقيّته. ووقف الآخرون يراقبون ما يجري كأنهم مواطنون من بلدٍ آخر.
يعترف شباب جمعية «فرح العطاء»، المنظّمون لإضراب الـ24 ساعة عن الطعام، بأنهم حالمون لأقصى الدرجات، «لكن هذه الصرخة، وإن كان تأثيرها محدوداً جداً، فإنها تدفع المارة إلى التساؤل: لماذا لا يريدون الحرب؟»، يقول سامر. يمكن تعميم هذا الموقف على معظم المشاركين الذين يعرفون أنهم لا يمكن أن يقفوا في وجه آلة إعلام الحرب، ويصرّون على أن حركتهم لا بد أن تكبر ككرة الثلج. وحده عبد، ابن الأشهر الستة عشر، لا يعرف شيئاً عن الحرب أو السلم، كل ما يعرفه أنه كان يأكل حين صام الجميع، وأنه تحوّل إلى الطفل المدلّل ينتقل من يدٍ إلى أخرى ويرقص على صوت السيدة فيروز.
توجّهت أمس نظرات ركّاب السيارات التي سلكت طريق المتحف إلى صوت الموسيقى الآتي من المتحف الوطني. هل استفاقت التماثيل؟ قلّة منهم توقفوا ليسألوا عمّا يحصل. وحدها سميرة، قرأت البيان بهدوء ثم ناولته لطفلها وسألت: «هل يمكن أن أنضمّ وأنا محجّبة؟». جاءها الردّ من سائق سيارة أجرة، «أكيد ولو. بس بدك تقدروا تعملوا شي».
وضع ناشطو «فرح العطاء» كنزة لكلّ ضحية من ضحايا تفجير عين علق ليكتب المشاركون والمارّة تمنياتهم بالسلامة، ثمّ قاموا بتوزيعها على الجرحى وأهالي الضحايا خلال زيارتهم ظهر أمس.