جورج شاهين
لا يختلف اثنان على تشخيص الوضع في لبنان، واعتبار أن قضيته باتت بنداً على لائحة الاهتمامات الدولية، من الملف النووي الإيراني الى الوضع في أفغانستان، الى العراق وفلسطين.
على هذه الخلفية يبرر بعض الدبلوماسيين الغربيين والعرب تحركاتهم لبنانياً، حيث راحوا يطرحون، سيلاً من الأفكار التوفيقية لتقريب وجهات النظر سعياً الى الخروج من المأزق. إلّا أن الوقوف عند هذا الحد لم يسبب مشكلة لدى فئات واسعة من اللبنانيين، ولا سيما المعارضة منها عموماً، ورئيس الجمهورية خصوصاً، وتسجيل المواقف في كل شاردة وواردة، وراحوا يتعاملون مع رئيس الجمهورية على أساس أنه فاقد للشرعية الدستورية، فاستحق المقاطعة، وقد تناسوا أن تسميتهم من جانب بلدانهم تضعهم وفق الأعراف الدبلوماسية منتدبين لديه، ولا تكتمل مهماتهم ما لم يتقدموا منه بأوراق اعتمادهم. وبدل أن يسجل اللبنانيون استياءهم من تصرفات بعض الدبلوماسيين ويعملوا على تطبيق الأعراف والقوانين التي تحكم تصرفاتهم، وتحدّد أصول التعاطي مع البلد المضيف ـــ وهو أمر له ما يبرره في ظل الانقسام اللبناني الرسمي والسياسي لئلا يقال المذهبي ـــ أخلّ المجتمع السياسي البناني بأدنى واجباته على هذا الصعيد مما شجع بعض الدبلوماسيين الأجانب على التمادي فأخذوا يسجلون اعتراضاتهم على أي انتقاد يتعرضون له، ولو عبر وسيلة إعلامية، وإبداء «أسفهم» بلغة دبلوماسية لائقة أحياناً، وأحياناً أخرى، بالمزيد من التوغل في الشؤون اللبنانية الداخلية.
وفي هذا الإطار أبدت مصادر فرنسية معنية بملفات مهمة بين البلدين، أمام مراجع لبنانية، عتبها على بعض الزعماء اللبنانيين وبعض وسائل الإعلام التي تتعرض للتدخل الأجنبي في لبنان، الأمر الذي يطاول فرنسا وسياستها، ولا يوفر رئيسها جاك شيراك بشكل خاص، وفق منطقهم بالطبع، فيما هم يتطلعون الى دور بلادهم على أساس أنه ينطلق من قرار ثابت بدعم لبنان سياسياً واقتصادياً ومالياً وإنمائياً وتربوياً، وفي سعيه الى بسط كامل سيادته واستقلاله بقواه الذاتية، واستعادة كامل حقوقه في مختلف المجالات.
ولم تتوقف المصادر الفرنسية في شرحها عند هذا الحد، بل توسعت في الحديث عن حجم الجهود التي بذلتها فرنسا لوقف الحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز الماضي، وسعيها الى وقف العمليات العسكرية، ودعم انتشار القوات الدولية في الجنوب وتعزيزها، ومواجهة النتائج السلبية التي ترتبت عليها في كل حقل... وصولاً الى انعقاد مؤتمر باريس 3، الذي مثّل تظاهرة دولية لدعم لبنان في تجاوز الأزمة المالية التي كانت نُذُرها قد بدأت تظهر.
وبينما كانت هذه المصادر ماضية في شرحها للأهداف الفرنسية في لبنان، لم تتمكن من إعطاء أجوبة وتفسيرات واضحة لأسباب القطيعة مع قصر بعبدا، وما سيفعله سفير فرنسا في لبنان برنار إيمييه عندما يحين أوان مغادرته قريباً ليلتحق بموقعه الجديد في الخارجية الفرنسية، وما إذا كان سيزور بعبدا مودعاً كما تفرض «الإتيكيت»، وما سيكون موقفه اذا لم يوقع رئيس الجمهورية اميل لحود «براءة الاعتماد» التي يحتاج إليها كل دبلوماسي يعمل في لبنان عندما يغادر البلد المضيف. وماذا يحصل اذا تكرر رفض لحود توقيع هذه البراءة كما فعل قبل أسابيع مع القنصل العام الفرنسي الذي كان يعمل في لبنان. واكتفت المصادر بالقول: لكل مقام مقال!.
كما لم تتمكن المصادر من إعطاء جواب يبرر الظروف التي دفعت بوزير الداخلية الفرنسية نيكولا ساركوزي للإعلان عن موقف فرنسي يرفض فيه إعطاء المعارضة اللبنانية الثلث المعطل، ناهيك بالمواقف التي تعبر عن تدخل شبه دائم في قضايا خلافية لبنانية داخلية، سوى ربطها بالوضع الفرنسي ودوافعه الانتخابية...
وفي نهاية اللقاء، حصل ما لم يكن في الحسبان، فبعد نقاش مستفيض في شأن الكثير من القضايا موضع الجدل بين لبنان وفرنسا، أقرّت المصادر الفرنسية بما سمته «الخلل الحاصل» في العلاقات بين البلدين، او بين فرنسا وفئة من اللبنانيين، فأعربت عن اقتناعها بأن هذه السياسة ستتبدل بالتأكيد بعد مغادرة الرئيس الفرنسي جاك شيراك الإليزيه، «وعندئذ ستعود العلاقات الى مجراها الطبيعي، كما بين أي دولتين»!.