في الأيام الأخيرة قطع طرفا النزاع في الغالبية والمعارضة الأمل في التوصّل قريباً إلى اتفاق بينهما خارج نطاق شروط كل منهما. وفي منأى عن التجاذب الإقليمي الذي يطبق على الخلاف الداخلي، بشقيه السعودي ـ الإيراني والسعودي ـ السوري، وشقيه الأميركي ـ الإيراني والأميركي ـ السوري، فإن فريقي الداخل أسهبا في إضفاء طابع محلي على الخلاف، وكأن المشكلة تقتصر على النصاب الذي يقبلان به لحكومة الوحدة الوطنية، أو أن تباين الموقف من المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري لا يتعدى إطار مراجعة الصيغة النهائية لمشروعها. وهكذا يحاول طرفا النزاع، على أبواب انتخابات رئاسة الجمهورية الصيف المقبل، إكساب المواجهة بعداً يمكّن كلاً منهما من أن يكون ناخباً كبيراً في إدارة هذا الاستحقاق، وفي أن تكون له كلمة مؤثرة في اختيار الرئيس الجديد.
وتعبّر عن هذا الاهتمام بضع ملاحظات منها:
ويعتقد سياسي بارز في قوى 14 آذار أن مقايضة الثلث المعطل للمعارضة برئيس للجمهورية من الغالبية تحتم تعاوناً متكافئاً بين الغالبية والمعارضة في مجلس الوزراء.
ويرمي ذلك إلى إبراز القوى الساعية لأن تكون الناخبة الفعلية والنافذة في الاستحقاق الرئاسي، ما دامت هي القادرة على الوقوف في وجه أي تسوية أو اقتراحات حلول لا تأخذ في الاعتبار مصالحها وحساباتها السياسية. والواضح أن التطورات التي أعقبت الإضراب العام في 23 كانون الثاني ثم حوادث الشغب المذهبي في 25 منه حددت نهائياً، حتى الآن على الأقل، القوى الثلاث الناخبة داخل أفرقاء 14 آذار في الاستحقاق الرئاسي، وهي تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية. وبين هؤلاء تكاد تكون القوات اللبنانية وحدها صاحبة خبرة ومراس ناجحين في الانخراط في انتخابات رئاسية صعبة يتداخل فيها المحلي بالإقليمي: عندما جلبت النواب ــــــ بعضهم بالاستمالة والبعض الآخر بالقوة تقريباً ــــــ إلى جلسة انتخاب الرئيس الراحل بشير الجميل في 23 آب 1982، وعندما منعت بالقوة أيضاً النواب من الذهاب إلى جلسة انتخاب «مرشح التحدي» الرئيس سليمان فرنجية الذي اقترحته دمشق في 17 آب 1988. أما التنظيمان الآخران فحالهما تفتقر إلى دروس مماثلة. قاطع الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة كمال جنبلاط جلسة انتخاب الرئيس الياس سركيس في 8 أيار 1976، عاجزاً عن مواجهة دمشق التي كانت تقود إجراء تلك الانتخابات. وأيد خلفه في زعامة الحزب وليد جنبلاط بكتلته النيابية القليلة العدد انتخاب الرئيس رينيه معوض في 5 تشرين الثاني 1989، ثم الرئيس الياس الهراوي في 24 تشرين الثاني 1989، في استحقاقين كانت تدعمهما سوريا حليفة الحزب. وفي الزمن القريب، عارض جنبلاط ونواب حزبه وكتلته البرلمانية انتخاب الرئيس إميل لحود في 15 تشرين الأول 1998، والذي أيدّه حليفه الرئيس رفيق الحريري. أما تيار المستقبل فيبدأ في استحقاق 2007 من الصفر. وما خلا استحقاق 1982، كانت دمشق صانعة الانتخابات الرئاسية اللبنانية على امتداد 28 عاماً.
ولأن القوى الثلاث هذه مرشحة، في حال تفشّي الفوضى، لأن تكون ميليشيات الدفاع عن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وشرعية بقاء قوى 14 آذار في الحكم، فإن كلاً منها يريد أن يقارب انتخابات الصيف المقبل على أساس أنه صانع شرعية دستورية جديدة في رئاسة الجمهورية مناوئة لسوريا.