عمر نشابة
في لبنان بين 80 ألفاً و100 ألف عاملة منزل سيريلانكية، و20 ألف عاملة منزل فيليبينية، وما يقرب من 5 آلاف عاملة منزل إثيوبية. وهناك مشكلة أساسية في ما يخصّ عدداً كبيراً من هؤلاء ينبغي معالجتها، مشكلة متعلّقة باحترام حقوق الإنسان.
إن أشكال العنصرية في لبنان لا ترتكز على نظام رسمي معيّن، وليس لها مرجع في النصوص القانونية أو المذكّرات الإدارية، بلّ إنها تتمحور حول تصرّفات فردية وفشل في احترام الأخلاق العامّة التي يتمتّع بها المواطن اللبناني عموماً.
ولا يجوز الاستهتار بحقوق الإنسان مهما كانت وظيفته وعرقه وجنسيّته، هكذا ينصّ القانون وهكذا توجّه الأدبيّات والتربية ومبادئ الأخلاق العامّة.
مع ذلك، يبدو أن ما يسمّى «العبوديّة بالتعاقد»
(contract slavery) أو «العبودية المعاصرة شكلياً» (contemporary form of slavery) ظاهرة متفشّية في عدد كبير من المنازل في لبنان.
يحدّد بيلز، صاحب كتاب (Disposable People: New Slavery in the Global Economy) ثلاثة عوامل تؤلّف «العبوديّة بالتعاقد»:
1) العنف أو التهديد بالعنف،
2) منع الانتقال والتجوّل،
3) الاستغلال الاقتصادي.
كلّ ذلك يتنافى مع الأخلاق والقيم الحضارية، ويخالف القوانين والمواثيق الدولية التي التزم لبنان احترامها كاملة.
فمعاملة عاملات المنازل في لبنان تخالف مواثيق منظمة العمل العربية، ومواثيق منظمة العمل الدولية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومواثيق منظمة الأمم المتحدة على حدّ سواء. فإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام الذي أُقرّ خلال المؤتمر الإسلامي عام 1990 ينصّ على حرّية الانتقال والتجوّل لكلّ إنسان، وحريّة العمل ضمن ظروف سليمة وإنسانية. ويؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ذلك أيضاً في المادة 13 والمادة 23.
وتنصّ المادة 24 من الإعلان العالمي على الحقّ بالراحة والترفيه، والحقّ بعدد منطقيّ من ساعات العمل اليومية، والحقّ بعطلة مدفوعة. أمّا المادّة الخامسة من الإعلان العالمي فتمنع المعاقبة والمعاملة من خلال التعذيب والإهانة لأي كان. وتشدد على هذه المبادئ أيضاً منظمة العمل الدولية.
ويدعو العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، اللذان أُقرّا في الجمعية العمومية للأمم المتّحدة سنة 1972، إلى حماية وضمان حقوق الإنسان والالتزام بالمبادئ التي تحافظ على كرامته.
أخيراً لا بدّ من الإشارة إلى أن مسألة حقوق الإنسان، في آخر المطاف، مسألة متعلّقة بقناعات وأفكار كل فرد من أفراد المجتمع، أكثر مما هي مسألة قانون ونظام وتعاقد. فإرادة المواطن هي الأساس في تعامله مع الآخرين، ولا يمكن إجبار أحد على احترام حقوق الإنسان، بل يمكن إقناع الناس بحقوق الإنسان.
فاحترام حقوق الإنسان يبدأ فعلياً في المنزل.