عبيه ـ عامر ملاعب
الوجوه التي اعتصمت أمس في بلدة عبيه ـــ قضاء عاليه، كانت غاضبة، لكنها لم تعلن غضبها المكبوت على خلفية إعلان الرئيس فؤاد السنيورة ووزير المهجرين نعمة طعمة إنجاز ملف بلدة كفرمتى، المجاورة لهم، وقرب دفع التعويضات للمقيمين من الدروز والعائدين من المسيحيين المهجرين.
الغضب المؤجل أسبابه كثيرة، أولها أن كوادر فرع الحزب التقدمي الاشتراكي في البلدة الذين شاركوا في تنظيم الاعتصام والدعوة إليه تولّوا أمس عملية ضبط لوسائل الإعلام في تواصلها مع أهالي البلدة على خلفية رفضهم توجيه أي كلمة نقد للنائب وليد جنبلاط أو تحميله مسؤولية تأجيل الملف إلى أجل غير مسمى.
وبحسب متابعين لملف البلدة، فإن أسباباً عديدة دفعت النائب وليد جنبلاط إلى أن يتخذ قرار «القفز» عن إنجاز ملف المهجرين في بلدة عبيه. أهمها أن أبناء هذه البلدة ورغم أنهم يتصرفون على أساس أن ملف التعويضات «قضية مركزية» بالنسبة لهم، إلا أنهم لم ينجحوا في تحويله إلى قضية رأي عام في أروقة قصر المختارة كما فعل جيرانهم من أهالي بلدة كفرمتى، الأمر الذي حدا بالنائب جنبلاط إلى الطلب من الوزير طعمة إنجاز ملف كفرمتى سريعاً. السبب الثاني هو أن إحدى المؤسسات الأهلية التابعة للنائب جنبلاط تشغل مساحة واسعة من عقارات تملكها الرهبنة الكبوشية في بلدة عبيه ولم يؤمن لها حتى اللحظة مكان بديل للانتقال. السبب الثالث، والأكثر حساسية، هو أن قرية عين درافيل تتبع مع بلدة عبيه لمجلس بلدي واحد تحت اسم «بلدية عبيه ـــ عين درافيل». وهذه القرية، يشغل مطمر النفايات الشهير ما يزيد على 50 بالمئة من أراضيها العقارية، وإمكانية السكن فيها قبل إقفال المطمر مستحيل، وطالما أن الحكومة الحالية غير جدية في إيجاد بديل عن هذا المطمر رغم إقرارها خطة بديلة في حزيران العام الماضي، فإن أهالي بلدة عبيه عين درافيل يدفعون الأثمان مضاعفة تلويثاً لأرضهم وهوائهم، وإفقاراً لجيوبهم، وحرماناً لحقهم بالعودة إلى منازلهم وإعمار المهدم منها.
اعتصام أمس، جمع عدداً من أهالي البلدة في الباحة الخارجية من قاعة الشيخ أحمد أمان الدين العامة، وقد تلا معروف حمزة باسمهم بياناً مكتوباً، حمل بالإضافة إلى موضوع التعويضات مطالب إنمائية وحياتية رغم «مرور أربعة وعشرين عاماً على التدمير والتهجير ورغم المراجعات والوعود، نحن اليوم أمام حالة من الإهمال والاستهتار واللامبالاة». وسأل البيان «أين الوعود التي تعهدت بها وزارة المهجرين بأن ملف الشحار الغربي ملف واحد لا يتجزأ، وأن بلدة عبيه لا تعامل بهذا الأسلوب، ونحن نسمع الكلام المعسول منذ إنشاء وزارة المهجرين بأنها لتعويض الأضرار والخسائر الناجمة عن الحرب، وهي أكثر القرى دماراً وخراباً، وقد فتح الملف في بداية عام 2005، وقامت الوزارة بالكشف اللازم، وتم تحضير كل مطالب الوزارة من المستندات الضرورية، وتم الاتفاق بين الوزارة ولجنة العودة على جميع المبالغ المطلوبة وأصبح الملف جاهزاً بالكامل». وأضاف أن «وعداً قد قطعه وزير المهجرين نعمة طعمة بجولة سوف يقوم بها على دول الخليج لطلب الأموال اللازمة ونحن بالانتظار». وعدد حمزة مخاطر عدم إنجاز الملف، ما «يمنع انتخاب مختار ومجلس بلدي، وآخر انتخابات محلية جرت في عام 1962، ما يؤدي إلى انعدام كل الخدمات والتنمية المحلية». وأشار البيان إلى أن «البلدة بحاجة ماسة إلى مياه الشفة وتمدد عبرها قساطل المياه إلى القرى المجاورة، والأهالي يرون إخواننا المهجرين في القرى المجاورة قد عادوا، ونحن لم نحصل على حقوقنا، في الوقت الذي تدفقت فيه الأموال بغزارة بعد الاعتداء الإسرائيلي في العام الماضي ليستفيد الجميع، المتضرر وغير المتضرر، وبالأمس أحداث نهر البارد، وبدأت المساعدات لإعادة إعمار المخيم. أما نحن فحصتنا تقتصر على الوعود والمراوغة». وأكد المعتصمون على أن «خطوة اليوم رمزية، وإن لم نحصل على مطالبنا فسيكون هناك خطوات تصعيدية أخرى، نعلنها لاحقاً»، وطالبوا مجلس الوزراء «بإدراج ملف التعويضات لبلدة عبيه في أقرب جلسة، ورصد المبلغ اللازم، مع الأمل بإغلاق الملف قبل الانتخابات الرئاسية وبعدم فصل ملف البلدة عن باقي المنطقة.
بعدها تحدث رئيس بلدية عبيه ـــ عين درافيل نزيه حمزة، شارحاً أن «الاعتصام صرخة شعبية من أهالي البلدة المقيمين والعائدين نتيجة المعاناة والألم من التأجيل وعدم الوفاء بالوعود التي قطعت حول مبالغ التعويضات والبنية التحتية منذ عهود الحكومات المتعاقبة، ويوم كان المال متوافراً والمصالحة أصلاً قائمة في البلدة منذ نهاية الحرب الأهلية. ولذلك يتوجب معالجة الملف سلّة كاملة دون تفرقة بين القرى». وأضاف «بالأساس تم تأجيل ملف عبيه حتى إنهاء المصالحات في قرى الشحار الغربي ونفاجأ دائماً بالتسويف والمماطلة دون معالجة جدية وصادقة، ونحن نطالب بالفصل بين التعويضات ومصاريف البنية التحتية التي نحن بحاجة ماسة إليها، وخاصةً بلدة عين درافيل المدمرة كلياً وتفتقد إلى أبسط سبل العيش».