انطوان سعد
حتى ساعة متقدمة من مساء أمس كانت الاتصالات لا تزال قائمة عبر الصرح البطريركي الصيفي في الديمان لتجنيب المتن معركة انتخابية حادة. وفيما ترى بعض الأوساط القريبة من مسيحيي الأكثرية أن لا ضير من أن يكون ثمة رابح وخاسر لأن الانتخابات ستكون بمثابة استفتاء على الخيارات السياسية الأساسية لدى المسيحيين، ترى الأوساط القريبة من البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير أن المعركة الانتخابية ستسفر عن خاسرين في الصف المسيحي، وفي الصف الوطني، بغض النظر عن النتيجة، أكانت لمصلحة الرئيس الأعلى لحزب الكتائب الرئيس أمين الجميل أم لمصلحة رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون. إذ إن الأرقام واستطلاعات الرأي المتناقضة والمتغيرة باستمرار، تبعاً لمجريات الحملات الانتخابية ومواقف السياسيين اللبنانيين من الاتجاهات كافة، زادت من حال الارتباك بين طرفي النزال الانتخابي في المتن الشمالي، وهي تشير إلى أن المعركة ستكون حامية والنتائج متقاربة.
وفيما تتكتم أوساط الفرقاء المعنيين بالانتخابات الفرعية عن تفاصيل المبادرة الجارية التي أعلن عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب إبراهيم كنعان موافقة العماد عون عليها بعدما زار الديمان مرتين أمس، تعرب مصادر مطلعة قريبة من البطريرك الماروني عن اعتقادها بأنها تصب في إطار نزع كل ما يمكن أن يؤدي إلى تزايد أجواء التوتر بين القوى السياسية الناشطة في المتن. ولا تستبعد أن تحمل المبادرة البطريركية في طياتها دعوة غير مباشرة لتجميد الاستحقاق الانتخابي أو تأجيله ريثما تتم معالجة الخلافات بين القيادات السياسية المعنية بانتخابات المتن الشمالي.
بذلك يحتفظ كل طرف بحقه في خوض المعركة عندما تنضج الظروف الملائمة لها، ويحفظ هيبته السياسية دونما مس: الرئيس أمين الجميل كزعيم سياسي على مستوى وطني له مكانته وخبرته ودوره المتمايز داخل فريق الأكثرية، وسليل العائلة المتنية العريقة صاحبة الموقع القوي غير القابل للالتفاف عليه، والعماد ميشال عون كزعيم الغالبية النيابية المسيحية المتمتعة بثقة القواعد الشعبية الواسعة وصاحب الحضور البارز في مختلف المناطق بما فيها المتن الشمالي.
وتوضح المصادر القريبة من البطريركية المارونية أن المخرج سيحفظ من حيث الشكل ماء الوجه للجميع باعتبار أن البطريرك صفير قد يتبنى الدعوة إلى الخروج من المعركة وقد يجمع الرئيس الجميل والعماد عون في بكركي إذا تأكد من موافقتهما على مبادرته لإعلان الاتفاق على تجاوز المعركة على رغم احتدامها وتخطي الطرفين للحدود المقبولة للتنافس السياسي الديموقراطي.
وتضيف هذه المصادر «لمصلحة من نضرب صورة الأول أو الثاني؟ ولم الحاجة الآن إلى إضعاف أي منهما؟ ما دام بالإمكان الحفاظ على موقع كل من القيادتين ودوره وتأثيره على مجريات الحياة السياسية اللبنانية التي، على رغم التوتر الحاصل، تحررت من التعليب الذي فرضته أولاً الهيمنة السورية ومن ثم أمّن استمراريته التحالف الرباعي في الانتخابات النيابية الأخيرة وفي طريقة تشكيل الحكومة الحالية. كذلك لا بد من الإشارة إلى أن بإمكان مخرج انسحاب الطرفين من المعركة الانتخابية أن يؤمن حتى مطلب الفئات التي ترى أنه لا يجوز تجاوز صلاحية توقيع رئيس الجمهورية على المراسيم العادية عبر استصدار مراسيم عن مجلس الوزراء بعد مرور مهلة الخمسة عشر يوماً».
وفيما لم تتأكد الأنباء مساء أمس عن موافقة الرئيس الجميل نهائياً ورسمياً على المسعى البطريركي الذي قاده المطارنة بولس مطر وسمير مظلوم ورولان أبو جودة بإيعاز من البطريرك الماروني، ذكرت أوساط قريبة من أحد المطارنة الثلاثة أن الرئيس الأعلى لحزب الكتائب لا يعارض المبادرة البطريركية وخصوصاً لأنه سبق له أن وضع ترشيحه بتصرف البطريرك صفير معلناً مراراً تأييده لكل ما يقول به سيد بكركي واستعداده للالتزام بما يصدر عنه، إنما يناقش بعض تفاصيل المبادرة حتى تأتي نتائجها مفيدة للواقع السياسي الحالي. وعُلم أن المسعى البطريركي قد يتطرق مباشرة إلى مسألة إصدار مرسوم دعوة الهيئات الناخبة من دون توقيع رئيس الجمهورية ويعزو انسحاب المرشحين للانتخابات الفرعية في المتن الشمالي إلى هذا السبب.
وإذا تأكد أمر نجاح المبادرة البطريركية في تجنب المعركة الانتخابية، فلن يكون حلفاء العماد ميشال عون وبخاصة النائب ميشال المر أقل سروراً من كل الأوساط المسيحية المحايدة التي أدت دوراً مهماً وبذلت مجهوداً كبيراً من أجل إنجاح المبادرة البطريركية. فهو لم يجمع ماكينته الانتخابية حتى مساء أمس.