نقولا ناصيف
يقلل رئيس المجلس نبيه بري من وقع ما ينتظر البرلمان، في الثلاثاء الثالث للغالبية اليوم. ويعتقد أن تحرّك هذا الفريق لن يتعدّى تأكيد الموقف الذي ينادي به، وهو عقد جلسة عامة للمجلس لإقرار مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ويبدو قاطعاً في أكثر من فكرة تحدّد موقفه من الاشتباك السياسي الدائر بين الغالبية والمعارضة وفق الضوابط الآتية:
1 ـــ لن يدعو مجلس النواب إلى الانعقاد لمناقشة مشروع المحكمة الدولية إلا عندما تتألف «حكومة شرعية في وسعها المثول أمام مجلس النواب». وهي الرسالة غير المباشرة التي رغب في توجيهها إلى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والغالبية، عندما طلب من الأمين العام للمجلس عدنان ضاهر عدم تسلّم المشروع «إلى أن تتألف حكومة شرعية».
2 ـــــ لن تُفتح (اليوم) قاعة الجلسات في المجلس لأحد انسجاماً مع أوامر وتعليمات أصدرها بري منذ الثلاثاء الأول (20 آذار) إلى الجهات الإدارية والأمنية في المجلس بإبقاء القاعة مقفلة أياً تكن ردود الفعل التي قد يُقدم عليها نواب الغالبية، وذلك استناداً إلى صلاحيته في النظام الداخلي التي تخوّله حفظ النظام في المجلس.
3 ــــــ لا يقف حائلاً دون حق نواب الغالبية في الحضور إلى المجلس والاجتماع في أي بهو أو غرفة يختارون، بما في ذلك مكتبه الخاص، باستثناء القاعة العامة، قائلاً «لن أفتح القاعة العامة لقوى 14 آذار ولا لقوى 8 آذار. وهي مخصصة لجلسات المجلس وليس لأحد من الفريقين».
وتبعاً لذلك يؤكد بري أنه سيدعو المجلس إلى جلسة عامة قبل نهاية العقد العادي الأول (31 أيار المقبل). ولكنه يلاحظ من تحرّك نواب الغالبية أنهم يرمون إلى ممارسة ضغوط عليه لدعوة المجلس إلى الانعقاد، ويقول: «كلما ضغطوا تأخر انعقاد المجلس. لكن ذلك لا يعني أن عدم ضغطهم سيؤدي إلى فتح قاعة الجلسات. لن يُدعى مجلس النواب إلى الانعقاد إلا بعد التوصل إلى تسوية سياسية تشمل موضوعي المحكمة الدولية وحكومة الوحدة الوطنية. هذه قواعد اللعبة». إلا أنه يستبعد، في أي حال، إقدام قوى 14 آذار على فرض أمر واقع على الآخرين بعقد جلسة نيابية خارج البرلمان لا يدعو إليها رئيسه. وحينذاك يدفعون بالوضع الداخلي إلى الهاوية.
ولا يكتم بري قلقه من تصاعد وتيرة التشنج السياسي، وخصوصاً في ظل إصرار قوى 14 آذار على رفض إعطاء المعارضة الثلث زائد واحداً في الحكومة الجديدة، والتسبب تالياً بتعليق أي فرصة لحل سياسي. وتذهب به خشيته هذه إلى تكرار ما أعلنه في مؤتمره الصحافي الثلاثاء الفائت (27 آذار) من أن الحاجة إلى حكومة وحدة وطنية لن تتعدّى شهر حزيران المقبل لكون البلاد، بعد ذلك التاريخ، تكون قد دخلت جدّياً في الاستحقاق الرئاسي، وسيكون المجلس أيضاً خارح الانعقاد العادي توطئة لتحوّله هيئة ناخبة بدءاً من 24 أيلول المقبل. وهكذا يصبح الجميع، يقول بري، في مواجهة خيارات ومجازفات خطيرة لكون المهمة المنوطة بحكومة الوحدة الوطنية هي الحؤول دون تلك المجازفات من خلال الاتفاق السياسي، وإدارة المرحلة الانتقالية حتى يحين أوان انتخابات رئاسة الجمهورية.
في موازاة ذلك لمس رئيس المجلس من أحاديثه أمس مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي فصلهما بين المحكمة الدولية والأزمة الحكومية من خلال استعجالهما إقرار مشروع المحكمة الدولية.
وفي الغداء الخاص مع بيلوسي والوفد المرافق، لفتها بري إلى أن لبنان «فيديرالية طوائف» على نحو الفيديرالية السياسية التي تحكم نظام الولايات المتحدة، وليس في الإمكان استبعاد طرف في الفيديرالية اللبنانية أو تجاهله وفرض أمر واقع، وهي تحتم التوافق والمشاركة في الحكم. وأكد لزواره الأميركيين أن المشكلة تكمن في رفض الغالبية تأليف حكومة وطنية لا في موقف المعارضة من المحكمة الدولية. وعلى طريقة «افتح يا سمسم»، لاحظ بري أن مفتاح حل المشكلات في لبنان هو تأليف حكومة الوحدة الوطنية بثلث زائد واحداً للمعارضة.
قاد هذا الحوار إلى الحديث عن سوريا في ضوء سؤال وجهه إليه أحد أعضاء الوفد الأميركي عما يقتضي أن تُسأل عنه سوريا (في زيارة الوفد لها اليوم وغداً)، فردّ بري: «إحكوا مع سوريا. إحكوا أيضاً مع إيران إذا كنتم تريدون بالفعل حلّ المشكلات».
غير أن الوفدين الأميركي والألماني طرقا باب المحكمة الدولية للخوض في جوانب أخرى. ورداً على ما أثارته المسؤولة الأميركية عن تهريب السلاح إلى لبنان، سألها بري: «ممن إلى مَن؟».
ردّت: «من سوريا إلى حزب الله».
قال من غير أن يسلّم بوجهة نظر بيلوسي في مسألة تهريب السلاح: «وهل هذا السلاح هو الوحيد الذي يُهرّب إلى لبنان كما تقولين؟ أليس هناك سلاح آخر يُهرّب؟ أليس هناك سلاح تركه الآخرون كإسرائيل التي خلّفت وراءها في جنوب لبنان مليونين ونصف مليون قنبلة موقوتة من السلاح الأميركي؟ أليس بسبب الحصول على السلاح الذكي الأميركي استمرت الحرب الإسرائيلية غير الذكية ثمانية أيام إضافية في الجنوب؟».
في واقع الأمر، لاحظ بري من أحاديثه مع الوفدين الزائرين، شأن سواهما من الوفود المماثلة، أنهما يحضران إليه بأفكار وأحكام مسبقة «يحقنهما» بها فريق الغالبية مذ قرر الاتحاد الأوروبي قبل فترة تعزيز نشاط موفديه ومبعوثيه إلى لبنان كي يكون على مقربة من الحدث، وبغية دعم فريق الغالبية.
حمله ذلك على إبراز مسألتين استأثرتا بحواره مع الوفد الأميركي:
أولاهما، أنه يدعم إقرار مشروع المحكمة الدولية، لكنه يرى ألا يربط موقف أفرقاء المعارضة بموقف سوريا منها، قائلاً إن سوريا اعتبرت نفسها غير معنية بمشروع المحكمة الدولية، إلا أن المعارضة وسائر اللبنانيين يقاربون الموضوع على نحو مختلف تماماً، وهو أن المحكمة الدولية «شأن محض لبناني».
وثانيتهما، أنه لا يخفي تحالفه مع سوريا، مذكراً محاوريه بالتحالفات التي كان قد نسجها أفرقاء رئيسيون في قوى 14 آذار مع سوريا على مدى سنوات. وذكّر بيلوسي بعبارة أطلقها الرئيس رفيق الحريري في الأسابيع القليلة التي سبقت اغتياله ـــ وقال بري إنه يتبناها ـــ هي أن لبنان «لا يُحكم من سوريا ولا يُحْكَم ضدها».