عرفات حجازي
عبد الله ونجاد وضعا عناصر الحل: موسى يظهّره وبري يضع آلياته ومخارجه

لم يكن من قبيل الصدفة أن تنعقد القمة السعودية ــ الإيرانية في هذا التوقيت بالذات، كما لم يكن من قبيل الصدفة أن يجري التفاهم على عقد اجتماع في العراق يضم الأطراف المعنية كافة، ولم تكن مفاجأة لأحد تلك المشاورات واللقاءات التي جرت على مستوى القمم بين القادة والرؤساء الذين يملكون القدرة على التأثير في مجريات الصراع الدائر في المنطقة لتدارس أزماتها وفتح باب التسويات أمامها، بدءاً من العراق وفلسطين، مروراً بلبنان وانتهاءً بالنزاع المذهبي والملف النووي الإيراني، إذ إن مجرد الأخذ بهذه الحزمة من الأزمات دفعة واحدة عشية الإعداد للقمة العربية في المملكة العربية السعودية التي تجهد الرياض بدبلوماسية جريئة ومقتحمة، خلافاً للمألوف، لكي تكون قمة لمّ الشمل العربي وإعادة ترميم البناء العربي المتهالك، يعني أن هناك رغبة صادقة في وقف مسلسل الانهيارات والتدهور وتحصين الواقع العربي ضد رياح الفتنة والتفتيت والتآكل ومحاولة حصر الحرائق وإطفائها على كل الساحات المشتعلة. وتوحي اللقاءات والقمم التشاورية العاجلة التي ارتفعت وتيرتها بجرعة تفاؤل كبيرة، وخصوصاً أن القمة بين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز ورئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمود أحمدي نجاد فتحت المسالك أمام معالجات سياسية ذات أبعاد إقليمية ودولية.
صحيح أن ما رشح عن هذا اللقاء لا يكفي للتدليل بأن الأزمات باتت في طريقها إلى الحل، لكن انعقاد القمة في حد ذاته مؤشر على التغيير الحاصل في المنطقة سواء في السياسة السعودية التي نشطت بشكل غير مألوف وتحركت على أكثر من خط وملف وجبهة أو بالنسبة للسياسة الإيرانية التي بدأت مقاربة الحقائق الماثلة على ساحة المنطقة ببراغماتية مدروسة وعلى قاعدة التقاطع في المصالح حيث للسعودية وإيران مصلحة أكيدة في عدم تقسيم العراق والحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني وحل الأزمة السياسية في لبنان وقطع الطريق على أي صراع مذهبي ونزع فتائله وتجنب حدوث أي تصعيد في أزمة الملف النووي الإيراني.
وإذا كانت القمم لا تقاس عادة بالساعات التي تستغرقها، فإن قمة عبد الله ــ نجاد جاءت حصيلة أسابيع من الاتصالات الدبلوماسية بين البلدين، وهذا ما رفع أسهم التوقعات العالية بأن المحادثات حققت نتائج مرضية بالنسبة للملفات المتأزمة، وبخاصة ملف العلاقة السعودية ــ السورية حيث أبدى الملك عبد الله وفق مصدر دبلوماسي مطّلع حرصه على عدم التفريط بالعلاقة الاستراتيجية مع سوريا والتي أرساها مع الرئيس الراحل حافظ الأسد.
وأكد المصدر أن الجانبين السعودي والإيراني خصّا الوضع المأزوم في لبنان بعناية خاصة، وكان بحث في العمق لجوانب الخلاف القائم في لبنان وضرورة الإسراع في معالجته. وتوقع المصدر أن يقوم السفير السعودي في لبنان الذي شارك في بعض الاجتماعات الجانبية بإبلاع الأطراف اللبنانية بمحصّلة القمة وما جرى التفاهم عليه لإعطاء قوة دفع لصفقة الحل التي باتت معروفة والتي تقوم على مبدأ التزامن والتوازي بين المحكمة وحكومة الوحدة الوطنية. ولم يستبعد المصدر العودة الى الآلية التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري والتي سميت اقتراح إعلان نوايا، ينطلق من إنشاء لجنة سياسية مشتركة من الطرفين تتولى مهمتين:
الأولى: مناقشة ملف المحكمة ويكون لها حق الاستعانة بمن تراه مناسباً من رجال قانون وقضاء للتفاهم على الملاحظات وإعداد ورقة بالتعديلات المقترحة على مشروع المحكمة.
والثانية: مناقشة التوسيع المفترض للحكومة من خلال ضم عدد من الوزراء الجدد والتفاهم على توزيع الحقائب وفق معادلة 19 ـــ 11 أي على أساس الثلث الضامن.
وتوقع المصدر أن تكون الخطوة الأولى بعد القمة السعودية ــ الإيرانية عودة سريعة للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى لتظهير صورة الحل ومناقشة تفاصيله مع الفرقاء اللبنانيين على أن يسبقه الرئيس نبيه بري بترتيب الآليات والمخارج، تمهيداً للإعلان النهائي عن صفقة الحل التي لم تعد بحاجة سوى إلى لمسات بسيطة وإلى نيات صادقة ورغبة حقيقية بالخروج من المأزق الذي تساوى الجميع في الدوران فيه.
هذه الأجواء والمناخات المتفائلة عكسها الرئيس بري بتأكيده أننا شارفنا على الاقتراب من الخواتيم السعيدة، ولن يكون في مقدور المعطلين هذه المرة إيقاف عجلة الحل بعدما رمت دولتان بوزنهما الكبير لتعزيز فرص التسوية، وهذا ما سيقطع الطريق على من يفتعلون الاشتباكات السياسية لتأكيد حضورهم الضامر في المعادلة السياسية.
وعلى رغم كل العوامل الواقعية التي تدفع إلى الاعتقاد بأن الأمور مسهّلة وإلى أن قمة نجاد ــ عبد الله أسست لطرح معادلات جديدة قد تغيّر مسار الأزمات والحلول المطروحة لها، فإن بعض القوى السياسية المحايدة تنصح بعدم الذهاب بعيداً في التقديرات، لافتة إلى أن السعودية وإيران رغم ثقلهما السياسي والمعنوي لا تملكان كل الخيوط. فالإدارة الأميركية ما زالت قادرة على نسف التفاهمات، وهي لن تسمح للمنطقة بالخروج من أزماتها قبل أن تخرج هي من ورطتها في العراق. وعليه يجب انتظار مدى حظوظ مؤتمر بغداد في النجاح، وعمّا إذا كانت واشنطن على استعداد لفتح حوار مع إيران وسوريا والأثمان المطلوبة لذلك. باختصار، المنطقة على مشارف منعطفات مفصلية وملامح متغيرات لا بد أن تلفح رياحها لبنان. ومع ذلك يجب عدم المبالغة بحجم التوقعات رغم طغيان واقع الانتظار الإيجابي على الجميع.