نقولا ناصيف
ذهب الرئيس السوري بشار الأسد إلى القمة العربية في الرياض، بحسب ما أسرّ مسؤول سوري بارز في دمشق لزواره، مسكوناً بالحذر. لم تكن ثمة خطط معدّة، وإن على نحو غير مباشر، بين الدبلوماسيتين السورية والسعودية لعقد لقاء خاص بين الأسد والملك عبد الله اللذين التقيا على هامش القمة مرتين. كان الانطباع في دمشق أن مسار القمة العربية ومزاجها هما اللذان سيحدّدان نجاحها أو إخفاقها، كذلك تحسّن العلاقة الشخصية والسياسية بين الرياض ودمشق. كل ذلك مع ترجيحه سلفاً أن المسألة الشخصية هي الأقل وطأة.
على أنه اورد أمام محدثيه بضعة انطباعات سورية على هامش القمة العربية:
أولها، أن دمشق تلمس وجود وسيلتي ضغط عليها متزامنتين هما التصعيد التدريجي في إثارة لغط حول واقع الحدود اللبنانية ـــ السورية على أنها لا تزال بوابة تهريب أسلحة إلى حزب الله، والمحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وكلا الأمرين أجابت عنهما سوريا من غير أن تتوقع أن تكون إجابتاها شافيتين. وبحسب المسؤول السوري البارز، حدّد الأسد سلفاً ردّ الفعل: أي بحث في وضع جنود دوليين عند الحدود اللبنانية ـــ السورية سيؤدي إلى إقفالها من الجانب السوري (أعاد تأكيد هذا الموقف نائب الرئيس فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم). وفي ملف المحكمة الدولية فإن تشديد التقرير الأخير لرئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس على وجود رابط بين اغتيال الحريري والدوافع السياسية يرمي إلى الأخذ مجدداً ـــ وإن على نحو غير مباشر ـــ بوصف الاغتيال بأنه جريمة ضد الإنسانية. الأمر الذي يمكّن مرة أخرى من تسييس دور المحكمة، عبر إعادة فتح ملفات أمنية سابقة اتهم بها حزب الله نظراً إلى أن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بتقادم الزمن. ويلاحظ المسؤول السوري أن إبراز التقرير تعاون دمشق مع لجنة التحقيق الدولية لا يقلل أهمية السعي إلى استخدامها وسيلة ضغط إضافية.
ثانيها، أن دمشق تنظر باهتمام إلى الحوار مع واشنطن وتتوقع تلاحق وتيرته لأسباب تقدّر أنها خيار حتمي لواشنطن من أجل تحقيق الاستقرار في العراق. يحمل هذا الانطباع المسؤول السوري البارز على اظهار بضعة مؤشرات اتصلت بزيارة مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون السكان واللاجئين والهجرة إلين سوربري لدمشق في 12 آذار الفائت، واجتماعها بمعاون وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ثلاثة أرباع الساعة اقتصرت على مناقشة ملف اللاجئين العراقيين في سوريا، قبل أن تنتقل الدبلوماسية الأميركية إلى مقر السفارة الأميركية في دمشق وتجتمع بأركانها، ثم بعدد من السفراء الأجانب في العاصمة السورية في لقاء خاص. وبحسب ما نُقِلَ إلى الخارجية السورية عن فحوى اللقاء الخاص، فإن سوربري أبدت ارتياحها إلى واقع اللاجئين العراقيين في هذا البلد، واقتناعها بجدوى الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الحكومة السورية التي استقبلت على أراضيها بعد دخول الجيش الأميركي إلى العراق مليوناً و400 ألف عراقي يقيمون بصفة دائمة، إلى حركة عبور حدودية بين البلدين سجلت رقماً وسطاً هو 40 ألف عراقي شهرياً. غير أن المقداد أبلغ إلى زائرته الأميركية مقدار العبء الذي يشكله هذا العدد من اللاجئين العراقيين «الذين أضحوا يقاسمون السوريين رغيف الخبز وصفيحة المازوت اللذين يحظيان بدعم الدولة، إلى باقي التقديمات، عدا أن سوريا تخطت إجراءات قوانين تنظيم وجود لاجئين على أراضيها، الى ما من شأنه أن يدفع إلى وراء حدودها مع العراق مئات ألوف العراقيين الذين لا يستوفون شروط هذا التنظيم».
كان هذا الموقف، تبعاً للمسؤول السوري البارز، «إشارات إيجابية» وجهتها دمشق إلى واشنطن لتأكيد مقدرتها على التعاون لتخفيف وطأة المشكلات التي يعانيها العراق. إلا أنها رمت كذلك إلى تصويرها الحدود التي يمكن أن يعبّر عنها حوار أميركي ـــ سوري حول العراق، من غير أن تستعجل القيادة السورية هذا الحوار. وهو ما بيّنه سياق حوار دار بين الدبلوماسيين الأميركية والسوري. إذ أعربت سوربري عن ارتياحها إلى الخطوات التي اتخذتها دمشق، قبل أن يبادرها المقداد بالقول إن في الإمكان مقاربة باقي الملفات ذات الاهتمام المشترك بين واشنطن ودمشق بالتفاهم نفسه وبـ«روح إيجابي وانفتاح» إذا رغبت الإدارة الأميركية في ذلك، في تلميح ضمني إلى حوار سياسي أوسع نطاقاً بين البلدين، وأجابته أنها تأمل ذلك.
وتوقف الحوار عند هذا الحد.
لكن المسؤول السوري البارز سجّل أمام زواره ملاحظات إضافية، منها أن اجتماع سوربري بالخارجية السورية كان بناء على طلب أميركي لم تكن دمشق وراءه ولا استعجلته، ومنها عدم مشاركة ممثل عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الذي غالباً ما يشارك في محادثات تتصل بهذا الملف، الأمر الذي حمل دمشق على الاعتقاد بوجود رغبة أميركية في شق طريق خطوات بطيئة ومتدرجة لمباشرة حوار أميركي ـــ سوري. ويعكس هذا التقويم تطابقاً مع الموقف الأميركي من زيارة سوربري لدمشق، وهو أن واشنطن ترى في هذه الزيارة ترجمة للعلاقات الطبيعية التي تريدها الإدارة الأميركية أن تكون مع دمشق، وخصوصاً أن الدولتين معنيتان بملف اللاجئين العراقيين، وكلتاهما تريد حلاًّ مؤاتياً له.
من ناحية معاكسة، لا تأخذ القيادة السورية على محمل الجدّ وجهة النظر الأميركية القائلة أن سوريا تعرف ماذا يتعيّن أن تقدم عليه في تغيير سلوكها حيال كل من العراق ولبنان. والمقصود بذلك اتهام الأميركيين إياها بتهريب سلاح إلى لبنان، ومتسللين إلى العراق لزعزعة استقرارهما. ولا يكتم المسؤول السوري البارز اعتقاده بأن اجتماع بغداد في 10 آذار ثم زيارة سوربري في 12 منه، أظهرا عدم جدوى وجهة النظر تلك التي تصل إلى مسامع الدبلوماسية السورية. وهي أن جلوس الطرفين إلى الطاولة ليس ضرورياً كي تعرف سوريا ما ينبغي لها أن تفعله للبنان والعراق.
ثالثها، أن دمشق ترجّح تشديد الضغوط عليها في غضون أربعة أشهر تحدّد بدورها تطور الوضع في لبنان سلباً أو إيجاباً. وهو ما يتوقع أن يشهده النزاع الداخلي على انتخابات رئاسة الجمهورية. وبحسب المسؤول السوري البارز فإن دمشق معنية بهذا الاستحقاق من باب ألا ينتخب للبنان رئيس يقف على طرف نقيض منها، أو يحاربها.