كانت مفكرة الحكومة خالية تماماً من هذا الموعد. لم تكن تنتظرهم، فجاؤوا دفعة واحدة تحت لواء أرزة واحدة، وبحماية رب واحد، يتراصّون وسط الحصار المفروض قبل اكتمال الدائرة، يومئون بابتساماتهم الخفيّة إلى زمن تصير فيه خريطة الوطن مسافة ملغاة التضاريس من دون حواجز مذهبية وطائفية، وترسم عيونهم تفاصيل الوطن المثقل بالوعود الموؤودة.
هم عشاق هذه الأرض، يحملون نبضها وعداً بالقيامة. تقاطروا من مقالع لبنان ودساكره، جنوباً وجبلاً وشمالاً وبقاعاً. عبروا المسافات من مداخل كل الوطن، من خلية الى خلية، معلنين بدء العصيان في بيروت المقاومة التي تعرف ذاكرتها من أحبها.. ما خانوا انتماءهم الى الوطن، فأبوا أن يتركوه تحت وطأة التنين.
آمنوا بأن طعن الحرية، باسم الحرية، هو أقسى من العبودية نفسها.. ومن أجل وقفة عز فقط، رفضوا الانحناء والتحوّل الى “شهود زور” على عتبات حكومة مهترئة وعروشها المتساقطة.. ارتفعوا فوق مسيرة الضجيج، معلنين لحظة البداية.
وبعيداً عن الحشد “الاستعراضي” وأرقامه، ستدرك هذه “الأكثرية” وتصدّق أنه فصل الخصب يحزم أمتعة الخريف في أوان العواصف، وسيكون البدء المتواضع لعمارة الآتي!