عباس المعلم - إعلامي لبناني
مع تسلّم ايهود أولمرت رئاسة الحكومة الصهيونية، عادت مخططات الحرب على لبنان إلى الواجهة، وتفيد معلومات أن أولمرت أمر في شهر شباط الماضي كبار القادة العسكريين بوضع خطط عسكرية ملائمة لهجوم عسكري واسع النطاق على لبنان، وعلى الفور بدأت تدريبات ومناورات عسكرية واسعة النطاق جنوب تل أبيب شارك فيها أكثر من ثلاثين ألف جندي إسرائيلي، ووضعت اللمسات الأخيرة على قرار الحرب أوائل الصيف المنصرم، وبقي النقاش في التوقيت الذي تقرر لاحقاً أن يكون في شهر تشرين الأول، وتشير بعض المعلومات إلى ان احتفال يوم القدس العالمي في الضاحية الجنوبية ربما سيكون نقطة الصفر لبدء العدوان على لبنان، وبالطبع كان ينتظر هذا المخطط سيناريو معيناً يسبق العدوان المرتقب..
وسريعاً توصّلت الإدارة الإسرائيلية إلى صيغة تعطيها الذريعة والغطاء لعدوانها، في وقت كانت تجهد فيه الإدارة الأميركية في إقناع العديد من الدول الغربية والعربية بضرورة التخلص من «حزب الله» وكان من المفترض حسب المعلومات الإسرائيلية أن تقوم الإدارة الأميركية بإعطاء الأوامر لحلفائها في لبنان بشن هجوم سياسي واسع على حزب الله وحلفائه وخصوصاً معاودة استهداف رئيس الجمهورية أوائل فصل الخريف من أجل زج الحزب في صراعات وانقسامات داخلية حادة تجعله غير آبه بما يحصل من تحركات على الحدود الجنوبية، وفي ظل هذه المعمعة تقوم شبكة استخبارية تابعة للموساد بإطلاق صواريخ كاتيوشا على مناطق سكنية شمال فلسطين المحتلة.
يسقط عدد من المستوطنين بين قتيل وجريح، ما يجعل إسرائيل تقوم بحملة سياسية وإعلامية هدفها التحريض على المقاومة ونيتها العدوانية تجاه إسرائيل وخرقها الفاضح للخط الأزرق واستهدافها المدنيين، من دون ان تقوم بأي رد عسكري محدود على المقاومة، وبعد عشرة أيام من هذه الحادثة يبدأ العدوان الشامل على لبنان بغطاء دولي وعربي وحتى محلي لا سابق له من أجل التخلص من حزب الله عسكرياً وسياسياً.
ويبدأ هذا الاستهداف بقصف مقر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ومقار الشورى والأمانة العامة ومنازل القيادات وكوادر الحزب في الضاحية والجنوب والبقاع وحتى أيضاً استهداف آلاف المنازل التابعة لعناصر الحزب، في الوقت نفسه يقوم سلاح الجو باستهداف الطرق والجسور والمقار الصحية والحسينيات والمساجد والمدارس والمراكز الاجتماعية التابعة لحزب الله، في تلك الأثناء تقصف كل المواقع الحدودية التابعة للمقاومة ويبدأ هجوم بري إسرائيلي واسع النطاق من أجل احتلال منطقة جنوبي الليطاني، وقد رصد لهذه العملية البرية أكثر من أربعين ألف جندي وألفي دبابة ومدرعة عسكرية، بالإضافة إلى عشرات الطائرات المروحية والحربية. وكانت الإدارة الأميركية قد أبلغت عبر سفيرها بعض حلفائها في الداخل اللبناني بهذه العملية العسكرية وطمأنتهم أنها لن تستهدف سوى القواعد والمناطق التي يوجد فيها حزب الله، وهناك عدد من المدن والمناطق ستكون بمثابة خط أحمر بالنسبة إلى جيش الدفاع الإسرائيلي، ومن أهم هذه المناطق العاصمة بيروت، وخصوصاً منطقة الوسط التجاري ومتفرعاته، وجرى تأكيد الوزيرة رايس أن هذه العملية لن تستغرق حداً أقصى سبعة أيام.
لكن يوم 12 تموز أعاد خلط الأوراق من جديد بعد عملية الأسر التي قام بها مجاهدو حزب الله، وجاءت هذه العملية النوعية بعد إخفاق قوى السلطة في لبنان في استهداف سلاح المقاومة، وإبلاغ هذه القوى الإدارة الأميركية عدم قدرتها على نزع سلاح الحزب في الحوار ولا خارجه، تاركةً حرية التحرك في هذا السياق للأميركيين «وبالطريقة التي يرونها مناسبة» وقد أبلغ أحد قياديي قوى الأكثرية مسؤولاً أميركياً أنهم محرجون في قضية حزب الله بعد إعلان كشف شبكة العميل «محمود رافع».
حصلت عملية الوعد الصادق، وقرر أولمرت تقريب موعد العدوان على لبنان وباركت الإدارة الأميركية ذلك ووفرت له الغطاء الموعود لكن السحر انقلب على الساحر والسبعة أيام تحولت ثلاثة وثلاثين يوماً، وبدل ان يفكك حزب الله وينهار خرج منتصراً وأصبح النموذج المقاوم الاول في العالم وحقق انتصاره التاريخي الاستراتيجي على الكيان الصهيوني في أضخم حرب يخوضها منذ ان اغتصب أرض فلسطين عام 1948، ويبقى لنا ان ننتظر في الأيام المقبلة ونترقب السيناريو الجديد من مسلسل استهداف المقاومة.