ثائر غندور
قوى الأمن تبدأ إزالة المخالفات بالقوّة... والدم
تحوّلت أمس طريق المطار إلى «حيّ سلّم» جديد، إذ سقط قتيل وعدد من الجرحى في مواجهات مع القوى الأمنية. بدأ الأمر بقمع مخالفات بناء، وانتهى بكارثة مرشّحة للتفاعل


تحوّلت أزقّة طريق المطار إلى مواجهات مفتوحة بين قوى الأمن وأهالي المنطقة الذين حاولوا الدفاع عن منازلهم. قتيل وأربعة جرحى حصيلة معركة البارحة. وفي الوقائع، كما رواها شهود عيان، أنه عند الظهر اتجهت قوة أمنية لإزالة بعض مخالفات البناء في المنطقة. وبدأوا بمنزل وليد الحرجي، الذي لم يكن في منزله، لإزالة «خشب الطوبار». تدخلت نسوة الحيّ لحمايته. حاول عناصر الدرك اقتيادهنّ إلى المخفر فرفضن، وبقين في أماكنهن. عندها، قرر رجال الأمن إبعادهن بالقوة، فحصل تضارب بالخشب، وخلع أحد العناصر حجاب إحدى النساء. علا صراخها، فكان ردّه: «مش فارق معي حجابك». وضُربت بعض النسوة، وبدت الرضوض واضحة على وجه إحداهن. فاستُفزّ الجميع وحصل تضارب في ما بينهم، استخدم خلاله الخشب وأعقاب البنادق، فخرج عناصر الدرك من الأحياء باتجاه طريق المطار.
ثمّ بدأ بعض المتظاهرين برمي الحجارة على الدرك، وأشيع أن أول من بدأ برمي الحجارة هو شخص من خارج المنطقة يتردد عليها من حين إلى آخر. فأطلق أحد العناصر رصاصه في الهواء وأتبعه برشق عشوائي، فقتل الفتى حسن لطفي سويد (17 سنة)، وهو يعمل في محل لصناعة الأحذية. وأصيب الطفل محمد حسين ناجي (10 سنوات) بجراح خطرة فيما كان يراقب الأحداث من شرفة منزل جده. كما أصيب علي نبيل العزَير (14 سنة) بجراح خطرة، وكان علي قد عاد لتوّه من المدرسة. كما أصيب المصوّر في تلفزيون المنار خضر عمّار والمواطن جهاد قدور (40 سنة) بجراح طفيفة. ونقل الجميع إلى مستشفى الرسول الأعظم.
وبعد الحادثة تم سحب القوة الأمنية من المكان، لكن النفوس لم تهدأ. فالأهالي يتحدثون عن رشاوى تقاضاها سابقاً عدد من ضباط قوى الأمن، وتراوحت بين ألف وثلاثة آلاف دولار أميركي. وكانت تدفع هذه الرشاوى بواسطة المعماريين الذين يبلغون أصحاب المنزل: «إن تكلفة سطح مساحته 150 متراً مربعاً تصل إلى خمسة عشر ألف دولار تتضمن الباطون والدرك واليد العاملة». ويتساءل الأهالي: «لماذا تركونا نبني المنازل واليوم يريدون أن يزيلوها؟»، وخصوصاً أن أغلب الذين بنوا منازلهم استدانوا أموالاً أو باعوا ذهباً أو قطعة أرض... فوليد الحرجي مثلاً، استدان مبلغ ستة آلاف دولار، ويدفع فائدة شهرية تبلغ ثلاثمئة وخمسين دولاراً. وليد الذي يعلّق صورة كبيرة للراحل رفيق الحريري على سطح منزله، يتساءل عمّا إذا كان الهدف من وراء «الهجوم على منزله خلق فتنة. لكن «فشروا». فمن يدافع عن منزلي في غيابي هم جيراني الشيعة». هؤلاء الذين بنوا المنازل يقرّون أنهم مخالفون. بعضهم يريد أن يبني منزلاً كي يتزوج وآخر سئم من العيش تحت ألواح الزينكو. يسألون من أين أتت الشجاعة للقوى الأمنية، «أليست هي التي رضخت أمام بضعة جنود إسرائيليين في مرجعيون؟».
الرواية الأمنية تختلف عن رواية الأهالي. فأصدرت شعبة العلاقات العامّة في قوى الأمن الداخلي بياناً أشار إلى أن القوى الأمنية استكملت حملة إزالة مخالفات البناء في منطقة الرمل العالي ــ طريق المطار لليوم الثاني. ويشير البيان أنه بعد إزالة القوى الأمنية لعدة مخالفات، «وصلت إلى مخالفتين كبيرتين، أنجزت القوة إزالة المخالفة الأولى وانتقلت إلى الثانية، عندها تجمهر عدد كبير من المواطنين لمنعها من القيام بواجبها وهاجموها، مستخدمين العصي والحجارة وأطلق بعضهم عدة عيارات نارية، الأمر الذي أجبر قوى الأمن الداخلي على إطلاق عيارات نارية معدودة في الهواء لثنيهم عن ذلك». ويلفت البيان إلى إصابة ضابط واحد وعشرة عناصر بجروح خفيفة، وإصابة ثلاثة مدنيين بطلقات نارية توفي أحدهم متأثراً بجراحه، كما منيت خمس آليات عسكرية بأضرار مادية. ويكمل بيان قوى الأمن: «أفاد تقرير الطبيب الشرعي الذي كشف على جثة الفقيد والمصابين المدمين، أن الفقيد أصيب بطلقين ناريين في الظهر من سلاحين حربيين مختلفين وعن بعد مترين تقريباً، وأن إصابة أحد الجريحين خطرة وهي ناتجة من رصاص متفجر غير مستعمل في قوى الأمن الداخلي وهي عن مسافة مترين أيضاً».
الجدير بالذكر أنّ عائلة سويد قد طلبت تشريحاً للجثّة، وجاء تقرير الطبيب الشرعي مخالفاً لتقرير قوى الأمن، إذ أوضح أنّ الفقيد أصيب من «مسافة بعيدة بدليل غياب كلي للوشم البارودي»، وأنه «لا يمكن تحديد نوع السلاح المستعمل وذلك لغياب أية أعيرة نارية من جسم الضحية»، وأن طلقاً واحداً جاء «من الخلف»، فيما الطلق الآخر «دخل من أعلى خط الإبط الأيمن ليخرج من فوق حلمة الثدي اليمنى».