بسام القنطار
لم يكن مستغرباً أن تعلن سفارة الولايات المتحدة في بيروت أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) قد لزّمت شركة «سيكور للخدمات البيئية» الأميركيّة عقداً بقيمة 5 ملايين دولار من أجل المساعدة في حملة تنظيف الشواطئ اللبنانية من البقع النفطية. ففي العادة، ينبغي لأي جهة حصلت على تمويل من وكالة التنمية الأميركية أن تشتري المعدات أو الخدمات التي يفوق ثمنها خمسة آلاف دولار من منتج أميركي المنشأ، فكيف إذا كان المبلغ خمسة ملايين دولار؟
وشركة «سيكور» التي يقع مقرها في الولايات المتحدة والتي تملك فرعاً خاصاً لمنطقة الخليج العربي في الفجيرة ــ الإمارات العربية المتحدة من الشركات العملاقة في تقديم خدمات تنظيف التلوث الناتج من التسرب النفطي والصناعي في حالات الطوارئ.
ولقد سبق للشركة أن لُزّمت أعمال تنظيف التلوث الناتجة من الحرب الأميركية على العراق عام 2003. كما فازت في حزيران الفائت بعقد مدّته خمس سنوات للاستجابة لحالات الطوارئ البيئية للأسطول الخامس الأميركي المتمركز في الخليج العربي. وإزاء هذه المعلومة، تصبح المشاورات و«تنسيق الأعمال» التي قامت بها وكالة التنمية الأميركية مع وزارة البيئة اللبنانية إزاء هذه المبادرة، مجرد إجراء شكلي، رغم تأكيد مسؤولة تنسيق عمليات التنظيف في وزارة البيئة غادة متري لـ«الأخبار» أنّ الوزارة «قرّرت وسمحت لهذه العملية بأن تحصل». فعندما تكون العقود بين الحكومة الأميركية وشركة عملاقة يصبح عامل القرار والسماح من قبل أي سلطة أخرى في منطقة الخليج أو لبنان مجرد اعتداد زائد بالسيادة.
وكان الأجدر بالحكومة اللبنانية أن تقبل هذه المنحة الأميركية، التي تشكل جزءاً من المساعدات التي أعلن عنها الرئيس الأميركي جورج بوش والبالغة قيمتها 230 مليون دولار، بالاستناد إلى المادة الرابعة من قانون حماية البيئة رقم 444 التي تنص على مبدأ «الملوِّث (بكسر الواو) يدفع». ويقضي هذا المبدأ، الذي يشكل جزءاً هاماً من المبادئ التشريعية الدولية في قضايا البيئة، بأن يتحمّل الملوِّث تكاليف التدابير الوقائية ومكافحة التلوث وتقليصه. فالصواريخ التي أطلقت على معمل الجية هي صواريخ أميركية الصنع. كما أن الحصار الإسرائيلي الذي استمر لأكثر من شهرين حاز دعماً كاملاً من الحكومة الأميركية، وقد سبب هذا الحصار مآسي إنسانية وبيئية، ومن ضمنها منع الاستشاري الأميركي في جامعة ألاسكا ريك ستاينر من معاينة البقع النفطية في وقت مبكر بعد وقوع الكارثة. أما اليوم، فتأتي وكالة التنمية الأميركية لتدعي حرصاً «على تأمين استجابة سريعة للمشكلة» وتنصحنا بأنه «لا يجب إضاعة الوقت»!
وفي الوقت الذي ادّعت جمعية «بحر لبنان» بأنها سوف تتكفل بتنظيف كامل الشاطئ اللبناني، يبدو أن عملها سينحصر في منطقة الجية وجوارها حيث تعمل مع فريق إيطالي. في حين ستتركز جهود التنظيف الأميركية على الساحل الشمالي للبنان بدءاً من جبيل وصولاً إلى أنفة مروراً بالبترون.
وبحسب بيان وكالة التنمية ستعمل شركة سيكور على «تدريب فرق التنظيف على التقنيات، وسيشارك في عمليات التنظيف سكان لبنانيون تضررت حياتهم جداً جراء انسكاب الوقود على الشواطئ. كما ستُوَفَّر المعدات الضرورية للحرص على أن تكون عمليات التنظيف سليمة وشاملة وملائمة من الناحية البيئية». ولكن من يضمن هذا «الحرص» و«التنظيف السليم» في وقت تظهر فيه وزارة البيئة «تنسّق» التخبّط والفوضى الدولية والمحلية التي تعمل على التنظيف، من جمعيات ودول وخبراء وشركات قطاع خاص، وتتلقى الهبات غير المحددة القيمة من جمعيات تتّسم بقلة الشفافية.
تجدر الإشارة إلى أنّ وكالة التنمية الأميركية رأت أن هذه المبادرة ستسهم في تقوية العلاقات بين الشعبين اللبناني والأميركي، وتعزيز الرؤية المشتركة للديموقراطية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. تلك الرؤية التي ستعزّز حتماً، ما دامت الشركة الخبيرة بتنظيف التلوث الناتج من النيوكولونيالية الأميركية في العراق، غير عاجزة عن إتمام المهمة عندما يكون التلويث إسرائيلياً.