جان عزيز
لسبب ما، بدا ميشال عون وكأنه «يتوقع» عيدية نبيه بري، بتفصيليها، الحكومي والنيابي. فتصوره لحكومة وحدة وطنية معروف منذ تموز 2005، لكن اللافت أنه منذ نحو أسبوع أبلغ فريق عمله بضرورة الاستعداد سريعاً لتقديم اقتراح قانون جديد للانتخابات النيابية، باسم «كتلة التغيير والاصلاح»، الى المجلس. يبقى الأهم في «توقّع» عون الاستباقي هذا، أسئلة ثلاثة: أي قانون؟ في أي توقيت يقدم؟ وما النتائج المرتقبة لاقتراحه؟
أي قانون سيقترح؟ تكشف أوساط عون ان القرار اتخذ باعتماد خطوة بسيطة وقاطعة: تبنّي المشروع الذي أنجزته اللجنة الوطنية لقانون الانتخابات في الاول من أيار الماضي، برئاسة فؤاد بطرس، ورفعه اقتراح قانون باسم نواب «كتلة التغيير والاصلاح» الى المجلس النيابي.
لكن هل يترك المشروع كما هو؟ تجيب الأوساط نفسها بأن ثمة تعديلين اثنين سيطرآن على الصيغة التي انتهت إليها اللجنة، الاول يتعلق بعدد النواب الذين يؤلفون المجلس، والثاني يتعلق بمبدأ المساواة في تقسيم «الدوائر النسبية».
وتشرح بأن عون سيعيد تصحيح العاملين الوحيدين اللذين نص عليهما اتفاق الطائف في موضوع قانون الانتخابات، وجاءت ضغوط السلطة الراهنة لتنسفهما في اقتراح لجنة الوزير بطرس، أي إعادة عدد النواب الى 108 بدلاً من 128، والابقاء على جبل لبنان دائرة واحدة نسبياً، إسوة ببقية المحافظات، كما جاء في مشروع اللجنة. وتوضح الاوساط ان هذين التعديلين يكشفان، انطلاقاً من التزام «الطائف»، الكثير من النيات والخلفيات. فرفع عدد النواب في مجلس 92، قيل انه كان تلبية لأمر سوري، علماً أن تفاصيله تكشف مصالح داخلية واضحة، أكثر منها سورية مباشرة. فتفصيل تلك الزيادة يظهر أنها رمت الى تعميق الخلل التمثيلي لمصلحة القدرة الاقتراعية المسلمة، وعلى حساب مثيلتها المسيحية. ذلك ان النواب المسيحيين العشرة الذين أضيفوا بموجب تلك الزيادة، وزعوا كالآتي: ارثوذكسي في عكار، ماروني في طرابلس، ماروني في كسروان، ماروني وارثوذكسي وكاثوليكي في المتن الشمالي، ماروني في عاليه، ارثوذكسي في بيروت، كاثوليكي في زحلة، وأخيراً ماروني في البقاع الغربي. وبالتالي 4 مقاعد مسيحية فقط من أصل العشرة المضافة، ينتخبها مسيحيون (مقعد كسروان ومقاعد المتن الشمالي الثلاثة) فيما ثمة مقعد واحد (زحلة) ينتخب في ظل توازن اسلامي ـ مسيحي، لينتخب المسلمون المقاعد الخمسة الباقية، وبينها 3 مقاعد مارونية وارثوذكسيان. هذه الزيادة «السورية» كما قيل يومها، أعطت المسلمين، خصوصاً الثنائي السني ـ الدرزي، 15 مقعداً نيابياً إضافياً (المسلمون العشرة زائد المقاعد المسيحية الخمسة الساقطة ديمغرافياً)، في مقابل 4 مقاعد فقط للمسيحيين. ذلك انه غني عن القول ان أي مقعد إضافي للمسلمين، لم يوضع في منطقة ذات أرجحية اقتراعية مسيحية.
أما التعديل الثاني الذي سيتضمنه اقتراح كتلة عون، فسيكون الحفاظ على جبل لبنان «دائرة نسبية» واحدة، على عكس ما انتهت إليه لجنة بطرس من تقسيمها دائرتين اثنتين، واحدة تضم أقضية الشوف، عاليه وبعبدا، وثانية تضم أقضية المتن الشمالي، كسروان وجبيل، وتلفت أوساط عون أيضاً في هذا المجال، إلى ان هذا التعديل يلبّي ايضاً وايضاً مطالب تطبيق «الطائف» حرفياً. ذلك ان هذا الاتفاق كان قد نص على اعتماد المحافظة دائرة انتخابية، بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري، ولما كانت محافظة جبل لبنان لم تقسم ادارياً، ولما كانت المحافظات الاربع الاخرى قد اعتمدت دوائر أربع، لذلك المنطق والقانون الحق يفترضان اعتماد الجبل ايضاً دائرة واحدة. وتلاحظ الاوساط ان اعتماد عون هذين التعديلين يكشف الطابع المبدئي لموقفه، مع قدر أقصى من الترفع عن الحسابات الانتخابية الفئوية.
ذلك ان تقسيم جبل لبنان قد يكون مؤاتياً أكثر لتيار عون، لكنه يعكس التزاماً بالمبدأ. وإن المقاعد النيابية المضافة التي يقترح شطبها، نجد 4 منها في كتلته، أو حتى 5 وفق احتساب المقعد المتني المطلوب شطبه. ومع ذلك سيلتزم اقتراح القانون العوني هذا التعديل، على رغم احتمال خسارته هذه المقاعد، انسجاماً مع «وثيقة الوفاق الوطني» في شقها الداخلي الذي كان عون قد وافق عليه منذ 1989، مع إدراكه ان شق السيادة سيمنع تطبيقه. أما لجهة توقيت الطرح، فالواضح ان وقوعه بعد بدء العقد التشريعي النيابي العادي، ومع دعوة بري للتشاور في قانون الانتخابات، يعطي الاقتراح طابع الامتحان والمحك والتحدي لكل أطراف السلطة القائمة.
تبقى التداعيات؟ مزيد من الحرج لكل أطراف السلطة. فهل يرفضون اقتراح لجنة هم من عيّنها؟ وهل يسقطون بندين من «الطائف» الذي يقدّسونه حتى الصنمية؟ وهل يرفضون تصحيح خلل فرضه السوري أيام الوصاية، ليبقوه هم أيام السيادة؟ علماً أن هذه الاعتبارات المحرجة هي ما جعلت تحالف الحريري ــ جنبلاط ــ جعجع، يمتنع طوال 8 أشهر من عمل اللجنة عن تقديم أي اقتراح إليها، وهو ما جعل مهمة اللجنة تتمدد تكراراً، قبل أن تنتهي بخرق التحالف نفسه قراراته الحكومية، فلم يأت فؤاد السنيورة بمشروع اللجنة الى مجلس الوزراء بعد 15 يوماً من تسلّمه له في 1 أيار الماضي، ولم تُحِله حكومته الى المجلس بعد 30 يوماً، كما كان مفترضاً. فالسلطة القائمة تدرك أن ما من قانون انتخابي في العالم يحفظ لها أكثريتها، فضلاً عن الدفع الذي يمكن إقرار القانون أن يعطيه لفكرة الانتخابات المبكرة. هل من مخرج لهم في هذا الموضوع؟ يرجّح المراقبون أن يكون رد الأكثرية مزيداً من الاستدعاءات الى قريطم، ورفع منسوب الحديث عن المحكمة الدولية والملف النووي الايراني، وخصوصاً تكثيف الزيارات الدبلوماسية والدولية الى الضريح.