ابراهيم عوض
مثّل اللقاء الذي عقده الرئيس بشار الأسد مع رئيس جبهة العمل الإسلامي في لبنان الداعية فتحي يكن وأركان الجبهة في المناطق اللبنانية، حدثاً سياسياً لما يحمله من مدلولات في أكثر من اتجاه بدءاً من التوقيت وما عدّته أوساط سياسية متابعة لخط سير العلاقات اللبنانية - السورية استئنافاً لاجتماعات الأسد مع قيادات وشخصيات لبنانية بعد طول انقطاع، وإن اتخذت هذه المرة طابعاً خاصاً نظراً للشخصية التي استقبلها الرئيس السوري وما تمثل على الساحتين السياسية والدينية، إذ إن يكن سبق أن تولّى الأمانة العامة للجماعة الإسلامية في لبنان قبل أن ينشقّ عنها، كما انتخب نائباً عن طرابلس عام 1992، وهو اليوم عضو في اللقاء الوطني اللبناني المعارض الذي يرأسه الرئيس عمر كرامي.
وعلى مدى ثلاث ساعات، عرض الرئيس الأسد مع ضيوفه تطورات الأحداث في المنطقة خصوصاً في لبنان، مبدياً وجهة نظره في مستقبل العلاقات اللبنانية - السورية والزيارة المرتقبة للرئيس فؤاد السنيورة الى دمشق، من دون أن يفوته الحديث عن التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتقرير الذي يعدّه المحقق الدولي سيرج برامريتس في هذا الشأن... كما كانت هناك جولات أفق في عدد من القضايا الساخنة، ابرزها الوضع في العراق وما يهم العالمين العربي والإسلامي.
وروى يكن لـ«الأخبار» جوانب مما دار في الاجتماع فأشار الى أن الرئيس الأسد استهل كلامه بالحديث عن تقرير برامريتس المتوقع، مشيراً الى أن سوريا «يهمها أكثر من غيرها كشف الحقيقة في جريمة اغتيال الحريري لأن ذلك يريحها ويضع حداً للاتهامات التي تساق ضدها». وفيما أكد الأسد براءة سوريا من هذه الجريمة، أوضح «أن لا دليل ملموساً على وجود أي إدانة في حقها»، معتبراً أن تصريحات محمد زهير الصدّيق لا قيمة لها وهي مبنية على أقوال لا ترقى الى الإدانة الفعلية على غرار «رأيت وشاهدت وسمعت».
وفي معرض تناوله للعلاقات اللبنانية ــ السورية، أفاد يكن بأن الأسد أبدى «حرصاً شديداً على أن تكون هذه العلاقات مميزة كما في العهود السابقة، معدداً الروابط التي تجمع البلدين ومنها التاريخية والجغرافية والعائلية، لافتاً الى أن ارتكاب جهة سورية أخطاء في التعاطي مع الأخوة اللبنانيين أو سوء تصرف منها، تمكن معالجته بمعاقبة المخطئ فرداً كان أم مسؤولاً في جهاز، إلا أن ذلك لا يبرر استثمار الأخطاء سياسياً من فريق أو آخر للنيل من سوريا ونظامها والتهجم على رئيسها».
وعن الرئيس السنيورة الى دمشق، أكد يكن أنه سمع من الرئيس الأسد ترحيباً كبيراً بالزيارة، متمنياً في الوقت نفسه «ألا تكون زيارة مجاملة أو زيارة فولكلورية، إذ ينبغي الإعداد لها جيداً ووضع برنامج عمل محدد لإنجاحها». وأشار الى أن الرئيس السوري أبلغ الحاضرين حرصه على نجاح الزيارة، وعودة الرئيس السنيورة بعدها الى لبنان حاملاً معه الحلول لجميع المشكلات القائمة. وذكر أن الرئيس الأسد ابدى تخوفه من تحوّل القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) عن مسارها الذي حدده القرار 1701، بحيث تنزع عن نفسها صفة الحياد والاشراف على وقف النار لتصبح قوة معادية تقوم بأعمال قمعية بعد أن تنحاز لهذا الفريق أو ذاك، على غرار ما حصل في البوسنة والهرسك.
أما في مسألة الرقابة على الحدود، فيرى الأسد أن ذلك ممكن بالتعاون بين الجيشين السوري واللبناني، رافضاً أي تدخل للقوات الدولية في هذا الشأن، محذراً من أن وجود عناصر من هذه القوات على الحدود اللبنانية يعدّ عملاً عدائياً ويزيد المشاكل القائمة. ونبّه من سعي بعض الاطراف على الساحة اللبنانية إلى إخراج لبنان من اطاره العربي وجرّه الى المشروع الغربي والتدويل، مع ما يعني ذلك من انتقاص لسيادته وإلغاء لشخصيته.
وفي الموضوع العراقي، لفت يكن الى أن الرئيس السوري شدد على وحدة العراق لمواجهة المشاريع التقسيمية الجاهزة التي بدت ظاهرة للعيان انسجاماً مع مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تروج له الولايات المتحدة، والقائم على تقسيم المقسم منذ اتفاقية «سايكس بيكو» بحيث تصبح الدول أو الدويلات المقسمة عدوة بعضها بعضاً.
وطالب الأسد في هذا الصدد، بالحؤول دون عبور هذا المشروع الى لبنان والذي يذكّر بمشروع كيسنجر التقسيمي المعروف الذي يمكّن الولايات المتحدة من وضع يدها على المنطقة والحكم وفق قاعدة «فرّق تسد».
وتحدث يكن عن تطرق الاجتماع الى المخططات التي تعمل لها القوى الخارجية للإيقاع بين السنة والشيعة في العراق، ملاحظاً أن فتائل التفجير باتت موجودة داخل كل طائفة، موضحاً على سبيل المثال، أن مرجعية آل الحكيم لا تمانع في التحالف مع أميركا، فيما الحزب الإسلامي يعدّ جزءاً من السلطة في العراق الواقعة بدورها تحت السلطة الأميركية. وشدّد يكن على ضرورة العمل لسحب فتائل التفجير هذه، وإقناع من لم يقتنع بعد بأن اميركا عدو للعرب وللمسلمين، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال استعمالها «الفيتو» لعرقلة أي قرار دولي يخدم القضايا العربية، مشيراً الى أن «آخر ما شهدناه في هذا الخصوص كان اصـرار الإدارة الاميركية على مواصلة إسرائيل الحرب على لبنان فيما كانت تل أبيب تصرخ مستغيثة لإخراجها منها».