ناصر شرارة
لم يعد خافياً السجال الذي تديره جهات أميركية سياسية وأمنية مع جهات لبنانية رسمية، حول ضرورة إحداث تغييرات جذرية في تركيبة الجيش اللبناني، ليصبح مقبولاً أميركياً، وقادراً، من وجهة نظر المجتمع الدولي، على القيام بما هو مطلوب منه في الجنوب. ويبدو أن النقطة المركزية في هذا السجال لا تتصل بجدارة الجيش قتالياً، بل بطبيــــــعة تركيبته الســـــياسية والاجتـــــــماعية والطائفية.
وتنطلق الملاحظات الأميركية من عدم اقتناع واشنطن بأن الجيش أُعيد تأهيله على أكمل وجه بعد انتهاء الحرب الأهلية، وهي تعتبر أن الدمج الذي حصل على مستوى تركيبة الألوية لا يحقق البنية الوطنية، ولا ينهي الانقسامات السياسية والطائفية القائمة.
ونقلت مصادر مطلعة عن متابعين للمناقشات أن تقديرات الأميركيين تفيد بالآتي:
1 ــ إن نسبة الشيعة داخل عديد الجيش تصل الى 40 في المئة ما يعني أنه ذو لون طائفي واحد غالب.
2 ــ إن أكثر من نصف الضباط خضع في السنوات الـ20 الماضية لدورات عسكرية في كلية حلب السورية، في مقابل أقل من خمسة في المئة خضعوا لدورات في دول غربية، وهؤلاء لا يشغلون مناصب فعالة داخل قطاعات الجيش.
3 ــ إن عقيدة الجيش القتالية بعد الطائف تقوم على أن سوريا هي الصديق واسرائيل هي العدو، وهذا يعني أن الجيش “منحاز” الى جانب فريق سياسي في لبنان ضد فريق آخر. وهذا الأمر يأتي انعكاساً لطبيعة الانقلاب الاجتماعي الذي حصل في الجيش لجهة طغيان اللون الشيعي عليه، وتراجع الطبقة الاجتماعية الراقية التي كانت تمدّه بالضباط لمصلحة طبقة اجتماعية جديدة متوسطة أو شعبية يتحدر معظم ضباط الجيش الحاليين منها.
وتفيد المصادر أن ثمة تركيزاً خاصاً على اللواء السادس الذي سيكون أحد الألوية الخمسة التي سترسل الى الجنوب، باعتبار أن هذا اللواء نموذج لما يسميه الأميركيون “تزويراً” في عملية إعادة الدمج الوطني في الألوية التي نفّذتها قيادة الجيش بعد انتهاء الحرب الأهلية، إذ إن الذي حصل فعلياً، في رأي الأميركيين، “لم يكن تصحيحاً للخطأ في اللواء السادس، بل مكافأة لكبار ضباطه الذين أُبعدوا عنه بداية، ليُسلّموا، في ما بعد وعلى فترات متلاحقة، المراكز الأهم داخل القطاعات القيادية المختلفة للجيش”.
وفي تفاصيل هذا الأمر، بحسب الجهات الأميركية المتابعة لهذا الموضوع، أن معظم ضباط اللواء السادس الأساسيين خلال الحرب الأهلية، احتلوا، بالتتابع في “مرحلة الوصاية السورية”، مناصب حساسة في قيادة الجيش، ولا يزالون يشغلونها حتى الآن بحسب ما تُبيّن اللائحة الأميركية الآتية: العميد مصطفى حمدان أصبح رئيس الحرس الجمهوري، العميد أرسلان حلوة أصبح قائد اللواء الثاني عشر الذي تشمله حالياً القوّة التي ستُرسل الى الجنوب، العميد عبد المطلب الحناوي أصبح الآن مدير مكتب قائد الجيش، العميد عبد الرحمن شحيتلي يشغل الآن منصب مساعد مدير الاستخبارات. أما العميدان وليد سكرية وعباس نصر الله فتقاعدا لانتهاء فترة خدمتهما القانونــــــية. لكنهما يقدمان دعماً لمراجع سياســــية.
ويبدو، بحسب المصادر نفسها، أن هناك “لوائح أعدّها الأميركيون تندرج تحت عنوان تطهير الجيش من مناصري سوريا وحزب الله، وأن هذا شرط أساسي لأي دعم أميركي أو غربي لهذه المؤسسة في المرحلة المقبلة”.