ناصر شرارة

سيمر وقت قبل أن تُكشف أسرار كثيرة، عربية ولبنانية، واكبت الحرب وعملت في ادارتها وحاولت التأثير في اهدافها.


حتى هذه اللحظة، يمكن تحقيق اختراق جزئي في جدار الأسرار، بعدما امكن تشكيل فريق ازمة او خلية تنسيق غير معلنة، قوامها الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة والبطريرك الماروني نصر الله صفير. وقد ادارت هذه الخلية الاتصالات بالفرنسيين والسعوديين والمصريين لمنع تحقيق هزيمة لبنان سياسياً او عسكرياً، لما سيكون لذلك من تداعيات سلبية على الوضع الداخلي. الى جانب التأكيد على لبنانية حزب الله، والتركيز على بعده العربي على حساب بعده الايراني المزعوم دولياً.


وبدا أن الحريري ركّز على طمأنة الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى أن معركة اسرائيل في لبنان ليست ضد ايران كما صورها الاميركيون. وفي زيارته الاخيرة للإليزيه، استشهد الحريري مراراً امام شيراك بالتظاهرات التي عمّت الدول العربية تأييداً لحزب الله. وهي تظاهرات فاقت بما لا يقاس المسيرات التي شهدها الشارع الايراني.
زيارة الحريري تزامنت مع زيارة غير معلنة لرئيس جهاز الامن القومي السعودي الامير بندر بن سلطان، قبل أيام قليلة من اعلان الاتفاق الفرنسي ــ الاميركي على صيغة قرار لمجلس الامن لوقف النار. وكانت هذه الزيارة ذروة تأكيد سعودي على تغيير الرياض موقفها من الحرب، وأنها شريكة في معركة تغيير الموقف الفرنسي.
قبل ذلك، عُقدت لقاءات عدة في الرياض بين الحريري والملك عبد الله بن عبد العزيز والاميرين نايف بن عبد العزيز وسلمان بن عبد العزيز. تلتها ثلاث رسائل نقلها السفير السعودي في بيروت عبد العزيز خوجة الى الرئيس بري. وكلها تطلب تطمينات عن لبنانية حزب الله. وقد أكّد بري للرياض ان عدم السماح بسحق حزب الله سيتيح فرصة لتأكيد لبنانية الحزب وبعده العربي. وأن عكس ذلك سيؤدي الى نتائج عكسية.
وقد ظهرت الاشارة الأولى على تغير الموقف السعودي، بعد اسبوع من بداية الحرب. اذ عادت الرياض عن قرار ضمني اتخذته في 14 تموز بإقفال سفارتها في بيروت، وتصريف اعمالها عبر سفارتها في دمشق، وتلقّى خوجة تعليمات مباشرة من الملك عبد الله بالبقاء في بيروت حتى لو غادرتها كل سفارات العالم.
وكانت القاهرة على خط هذه التطورات. وعندما حطّت طائرة الطاقم الطبي المصري في مطار بيروت، كان ضباط من الاستخبارات العامة المصرية بين ركابها، موفدين من مدير المخابرات اللواء عمر سليمان. وقد انفصلوا عن الطاقم الطبي، وزاروا عين التينة بعيداً من الاضواء. وفي لقاء غير معلن معه، استشهد الوفد امامه بصلاح الدين الأيوبي، وقال إن اسرائيل هي العدو الاساس للعرب، ومن يقاتله من العرب فهو شقيق وحليف، «وكما اننا لا نقف عند واقع أن صلاح الدين كردي في تقويمنا لدوره العظيم، فإننا لا نقف عند شيعية حزب الله في تقديرنا له، ولكننا نتحفظ على بعده الايراني».
في الاسابيع الثلاثة الاخيرة من الحرب، تكرّس الانسجام بين اطراف خلية العمل الثلاثية، وأصبح هناك نوع من الاتفاق على توزيع الادوار بينهم على المستوى الداخلي والاقليمي والدولي. فالاتصالات مع البطريرك صفير كانت عبر مستشار الحريري داوود الصايغ، وكان بري هو المسؤول عن متابعتها.
وكانت باريس قد وضعت منذ اليوم الاول «فيتو» على إشراك الرئيس اميل لحود في اتصالات خلية الازمة. وبدا أن الرياض والقاهرة تؤيدان هذا الموقف، لمصلحة حصر التعامل مع الحكومة ورئيسها. ولمسايرة هذا الاتجاه داخلياً، كلف السنيورة من الحريري وبري بمتابعة الاتصال ذي الطابع الرسمي مع النائب ميشال عون. لكن بري خرق هذا التفاهم عندما علم ان اسرائيل وجّهت بعد قصفها جسوراً في ساحل المتن، تهديداً مباشراً لعون باغتياله اذا استمر في حض المسيحيين على تأييد حزب الله.
وعلّق بري في مجلس خاص على مواقف عون بالقول: «سيحفظ اللبنانيون لعون موقفه هذا دائماً».