مهما كان الدور صغيراً، يحوّله محمد حداقي إلى دور بطولة مطلقة عبر موهبته الواضحة. ربما لأنّه يمتثل للقاعدة الذهبية التي تقول: «ليست هناك أدوار صغيرة بل هناك ممثلون صغار». الممثل السوري الذي شقّ طريقه الوعر من مدينة «التل» في ريف دمشق إلى صفوف الممثلين المهمّين، لا زال يشكو ظروف المهنة الصعبة، رغم اشتغاله على أدواره بعمق مهني وثقافة واسعة لا لبس فيها، وخصوصاً في الأعمال الكوميدية. تميّز حداقي وحصد نجاحات متلاحقة، أبرزها في سلسلة «بقعة ضوء» ثم عبر الكاركتيرات المشغولة بعناية، منها: «أبو شملة» في «ضيعة ضايعة» و«فيّاض بوقعقور» في «الخربة» للسيناريست ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو. إلا أنّ كل ذلك لم يساعده على خلق شرط مادي مريح يمهّد الأرض أمامه لمزيد من الإبداع. لعلّه يتحمّل جزءاً من المسؤولية بسبب عدم قدرته على الالتزام الدقيق ببعض المواعيد. في رمضان 2024، حضر حداقي في مجموعة كبيرة من المسلسلات، أبرزها «أغمض عينيك» (كتابة أحمد الملا ولؤي النوري، وإخراج مؤمن الملا) الذي حظي بإشادة نقدية ومتابعة جماهيرية بسبب جنوحه نحو مقترح إنساني عميق وتصديره دراما عائلية غابت عن المشهد المحلي لسنوات. كذلك، أطلّ في «ولاد بديعة» (كتابة علي وجيه ويامن الحجلي، وإخراج رشا شربتجي) لتستحيل شخصية «أبو الهول» ولوازمها الأدائية ترنداً حقيقياً، وخصوصاً في المرابع الليلية وأماكن السهر.
وحالما انتهى الموسم الرمضاني، بدأ حداقي الاستعداد لإطلاق ورشة تدريب ممثل يشرف عليها بالشراكة مع زميله كفاح الخوص بالشراكة مع معهد «دراما رود». أثناء التحضير للورشة، التقينا الممثل السوري ليدور معه حوار نبدأه بالسؤال عن أكثر الأعمال السوريّة التي حازت إعجابه. «لن أذكر التي كنت حاضراً فيها، لكن من أبرز الأعمال السورية هذا الموسم «تاج» و«أغمض عينيك»...»، يقول.
أما بالنسبة إلى الانتقادات التي طالت «ولاد بديعة»، فيؤكّد أنّه «كوني جزءاً من العمل، فأنا مؤمن فيه وبسويّته. أنا عنصر من مجموعة عملت تحت قيادة ورؤية مخرجة كانت تدير الحالة بشكل كامل... أما النقد، فطبيعي وصحي. ربّما كنا بحاجة إلى مزيد من الوقت، لكن هذا لا يبرّر المشكلات التي عانى منها العمل ونحن على دراية بها». ثم يلفت إلى أهمية النقد المتخصص بالقول إنّه «ضروري جداً لأي مادة لتتحسّن. ما يهمنا ليس الحفاوة فقط، إنّما الإشارة إلى المطارح المضيئة والتقاط الهنّات. ليبقى للجمهور حق كامل بأن نقدّم له التسلية والمتعة. لكنّ وجهات نظر المشاهدين ليست آراء نقدية، بل انطباعات إما مُحبة أو ساخطة، من شأنها أن تعكس لي كيف يتعاطى معي هذا الجمهور كممثل...». ويتابع: «على المستوى الشخصي، أشعر بالفرح حين أرى وألمس جدلاً حول عمل معيّن ورأيين متناقضين حوله».
وعمّا إذا كان يعتقد أنّه يستحق مساحات أوسع في نوعية الأدوار التي تسند إليه، فيؤكد محمد حداقي أنّ الجمهور «يميل إلى مشاهدة ممثل معيّن في مساحات أوسع، لكن الحقيقة أنّ البطل في الحكاية قد لا يفرق كثيراً عن زملائه سوى بعدد المشاهد المتاحة له. هناك ممثلون يصنعون أدوار بطولة بمشاهد قليلة مقارنة بغيرهم... والأدلة صريحة ومرتبطة بممثلين كثيرين من بينهم فادي صبيح وأحمد الأحمد وغيرهما. علماً أنّ هذه المعادلة تحققت في الموسم الأخير».
وعن انتشار المعاهد التمثيلية الخاصة في سوريا، يشرح حداقي: «أعتقد أنّه من الضروري جداً أن يكون الممثل أكاديمياً حتى يستطيع تعليم فن التمثيل، لأنّنا نتحدث عن علم. هناك نظريات وبراهين وطرائق، لحل المعضلات مع الشخصيات والفرضيات في شخصيات معادلة لها. وهناك مناهج لا بد أن يكون المدرّس قد اطّلع عليها».
لكن هل يمكن أن تكون الفرص متاحة لجميع الخرّيجين سواء من «المعهد العالي للفنون المسرحية» أو غيره؟ «هناك تفاوت. يوجد أشخاص قادرون على الوقوف أمام الكاميرا، وآخرون يحتاجون إلى مجهود وشغل إضافي حتى بعد التخرّج. ثم إنّ أعمالاً قليلة قد لا تشكل تراكماً كافياً لدى الممثل الجديد لنطّلع على أسلوبه...»، يشرح. ويتابع: «لنكن صريحين ليس فقط خريجي التمثيل من يتعرضون للظلم في سوق العمل، فالأمر ينسحب على المجتمع السوري بأكمله». وفي سياق متصل، يشدّد حداقي أنّه في كلّ دول العالم لا يوجد مسميات كأفضل ممثل أو أفضل مخرج بشكل مطلق، بل هنالك تنوّع... ربّما مع الوقت والخبرة نستطيع إفراز مسميات حقيقية في هذه المهنة».