قدّمت وزارة المال مشروع قانون يعفي الشركات الملزمة بتقديم تقرير مفوّض مراقبة إضافي، من الغرامات المترتبة على تأخرها في تقديم هذه التصاريح المالية. مجلس الوزراء أجّل البتّ في الملف، لكن اتّضح أن طلب الوزارة يأتي استجابة لضغوط الشركات النافذة الراغبة في توسيع نطاق التهرّب من التصريح عن أرباحها، إذ إنها لم تقدّم تقاريرها المالية للدوائر الرسمية المختصّة منذ 4 سنوات. إذا أُقرّ هذا الاقتراح، فسيحصل المتهّربون على جائزة ترضية من وزارة المال رغم إدراك هذه الأخيرة بوجود مخالفات تؤدي إلى التهرّب الضريبي.تقول وزارة المال، إنه تبيّن للإدارة الضريبية أن الشركات الملزمة بتقديم «تقرير مفوّض مراقبة» ارتكبت العديد من المخالفات لجهة:
- تقديم تقرير مفوّض المراقبة موقّعاً من المفوّض الأساسي فقط.
- تقديم تقريرين مستقلين من المفوّض الأساسي والمفوّض الإضافي، الأول ضمن المهلة القانونية، والثاني خارج المهلة القانونية.
- تقديم تقرير معدّل للتقرير الأساسي خارج المهلة القانونية في حين أن التقرير الأساسي مقدّم ضمن المهلة.
كذلك، تشير الوزارة إلى أنه بموجب المادة 112 من قانون الإجراءات الضريبية، فإنه عند عدم تقديم تقرير مفوّض المراقبة أو التأخّر في تقديمه تُفرض الغرامة المنصوص عليها في المادة 109 منه، والتي تعادل 5% من قيمة الضريبة المتوجبة وفقاً للتصريح أو للربح المحدّد من قبل الإدارة الضريبية عن كل شهر تأخير.

المصارف أفلست رغم وجود مفوّضي مراقبة فيها (هيثم الموسوي)

المسألة واضحة جداً. فالمخالفة وقعت بحسب إقرار وزارة المال، والغرامة منصوص عليها بشكل مفصّل وواضح. كما أن أهمية وجود تقرير من مفوّض المراقبة، أمر مرتبط بقانون التجارة الذي يُخضِع شركات المساهمة تحديداً، لا المؤسسات الفردية، للتدقيق المالي الخارجي أو التدقيق الإضافي. وبحسب نقيب المحاسبين المجازين عفيف شرارة، فإن سبب هذا التدقيق يعود إلى أنه في الشركات المساهمة، هناك «مسافة تفصل بين مجالس الإدارة وأصحاب الملكيّة. وبما أنّ المجالس مسؤولة عن إعداد البيانات المالية، يتم تعيين مفوّضين اثنين للمراقبة؛ الأول تعيّنه الإدارة وبالتالي يرتبط بها بمصلحة، والثاني يُعيّن من قبل رئيس الغرفة الابتدائية التي يقع مركز الشركة في نطاقها، ما يجعله غير مرتهن للإدارة». بهذا المعنى، فإن مفوّض المراقبة هو بمثابة «التدقيق المحاسبي الخارجي في حسابات الشركات من قبل محاسب مجاز وذي خبرة»، وبالتالي فإن التقرير الصادر عنه يهدف إلى «فحص صحة البيانات المالية للشركة، وإظهار المركز المالي للمؤسسة، وتبيان عمليات الاحتيال أو السرقة في حال وُجدت، وتوقيعه يؤكّد حقيقة البيانات المالية لشركة ما».
اصطدمت هذه الأهمية بتعديل لقانون التجارة في موازنة 2019 يُلغي إلزامية وجود تقرير لمفوّض إضافي عن حسابات الشركات المالية، ويبقي إمكانية تعيين مفوّض مراقبة ربطاً بطلب من 20% من المساهمين. وبحسب شرارة، فإن دوائر السجلّ التجاري فسّرت هذا التعديل على الشكل الآتي: «التقارير المالية التي تُقدّم عن عام 2019 وما قبله يجب أن تمرّ عبر المفوّض المالي الإضافي، وفي السنوات اللاحقة يُكتفى بتقرير مالي واحد صادر عن المفوّض المالي المعيّن من مجلس إدارة الشركة. وهذه التقارير تُقدّم في مطلع عام 2020 الذي «كان استثنائياً» وفق شرارة، إذ أدّت إضرابات الموظفين، والإقفالات القسرية بسبب جائحة كورونا إلى توقف الدوائر الرسمية عن العمل، فأجّلت الشركات المُلزمة تصديق موازناتها عن عام 2019 بشرط تعيين المفوّض الإضافي».
الشركات التي دفعت نحو الإعفاء من الغرامات تتبع لنافذين


وبالفعل، عمدت هذه الشركات إلى التهرّب من تقديم تقارير مفوّضي المراقبة، ويجزم شرارة بأن «الشركات التي تدفع نحو الإعفاء، تتبع لنافذين قادرين على الوصول إلى طاولة مجلس الوزراء». إلا أنه يذكّر بـ«إلزامية تطبيق الحكومة للقوانين، إذ لا يمكنها تعديلها أو تأجيل العمل بها، ما يعني إخضاع التقارير المالية للشركات عن عام 2019 وما قبله للتدقيق من قبل مفوّض مراقبة إضافي». وفي هذا الوقت، بدأت تتراكم الغرامات وسط عناد الشركات وقوّة سطوتها بأنها ستكون قادرة على التهرّب من تقديم التصاريح اللازمة.
المشكلة واضحة، إذ تشارك وزارة المال في تحويل الإعفاء من الغرامات، من استثناء إلى قاعدة تمارس منذ سنوات في كل الإجراءات الضريبية التي تُدرج في الموازنة. لكن النتيجة واضحة للعيان، فبحسب شرارة يجب أن يُعدّل قانون التجارة «لإعادة إلزامية خضوع الحسابات المالية للشركات لمفوّض مراقبة إضافي، كما يجب إعطاء المفوّضين الماليين استقلالية كبرى كي تعكس تقاريرهم الواقع المالي الحقيقي. فعلى سبيل المثال المصارف أفلست رغم وجود مفوّضي مراقبة فيها، وفي الأعوام السابقة لعام 2019 كان عدد كبير من تقارير مفوّضي المراقبة الإضافيين مطابقاً لتقارير المراقبين المعيّنين من مجالس إدارة الشركات رغم الثغرات المالية فيها».