strong>جيم موريسون، كورت كوبان، بوب ديلان، لو ريد...انطلق «برلين» جوليان شنابل في أوروبا، وقبله شريط مارتن سكورسيزي عن الـ«رولينغ ستونز». السينما تحبّ الـ«روك إند رول»، لكن كيف تنظر إلى نجومه؟
أمل الأندري
في شباط (فبراير) الماضي، اختار «مهرجان برلين السينمائي» أن يفتتح دورته الـ 58 بشريط وثائقي حقّقه المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، بعنوان Shine A Light. والفيلم («ألقِ ضوءاً» في الترجمة العربيّة) يسجّل بطريقة فنيّة ذاتية، حفلة لفريق «رولينغ ستونز» أقامها منذ عامين في نيويورك. كانت تلك المرة الأولى التي يُفتتح فيها المهرجان العريق بشريط وثائقي تناول الفرقة البريطانية الشهيرة، وبالتالي مرحلة تميّزت بفورة ثقافيّة وسياسيّة على حدّ سواء.
وسكورسيزي ليس المخرج الوحيد الذي عاد إلى الخمسينيات والستينيات، في الآونة الأخيرة، ليحيي تجارب طبعت ذاكرة أجيال متلاحقة، عن تلك الفرق الرافضة والثائرة والمتمرّدة التي اقترنت بموسيقى الروك إند رول. هناك ظاهرة سينمائيّة برزت في الآونة الأخيرة، تمحورت حول نقل مغامرات فرق الروك البارزة وفنانيه إلى الشاشة الكبيرة. من «أنا لستُ هناك»، وهو فيلم روائي لتود هاينز عن بوب ديلان، إلى «الفصل 27» للمخرج جاي. بي شافير الذي حكى فيه ملابسات مقتل نجم البيتلز جون لينون... مروراً بـ«برلين» وهو فيلم وثائقي لجوليان شنابل عن نجم الروك الأميركي وعازف الغيتار لو ريد.
لكن لماذا هذه العودة إلى الروك؟ هل الأمر مجرد حنين إلى حقبة تميّزت بتحولاتها الصاخبة على مختلف المستويات؟ أم مجرّد استعادة لأيقونات الروك في محاولة هوليوودية لاستقطاب الشباب، كما فعلت الموسيقى المغايرة في نهاية الخمسينيات؟ وهل نجحت السينما في إعطاء صورة أمينة عن نجوم هذا النمط الموسيقي؟
كلّما جاءت السينما إلى الروك ونجومه، رأيناها تفضّل سلوك طريق الإثارة: هكذا ألصقت معظم الأفلام كلّ تهم العالم بموسيقى الروك، وربطتها بشتّى أنواع الانحراف والشذوذ... هوليوود تحديداً استغلّت هذا العصر الذهبي في تاريخ الموسيقى، وصوّرت عالم الروك بطريقة سلبيّة، عن طريق «أبلسته» وأبلسة نجومه. وروّجت عنه صورة مرادفة للتخريب والعنف والجريمة والهستيريا والمخدرات... إلى ما هنالك من أشكال «الشذوذ» والتطرّف. صحيح أنّ الروك الذي تنبع جذوره من الموسيقى الأفريقية الأميركية عاش ونما على هامش الثقافة الرسميّة والمكرّسة، وفي أوساط الهامشيّين من كل نوع، واستمدّ زخمه من تجاربهم الراديكاليّة ومعاناتهم وصخب مشاعرهم ونزوعهم الطوباوي التدميري أحياناً. لكن هل تختصر تلك الكليشيهات اتجاهاً موسيقيّاً غنياً طبع عصراً كاملاً، وحمل في طياته العصيان والتمرّد والتحريض على قلب الوضع القائم؟
لا ينبغي أن ننسى أنّ هذا النمط الموسيقي الذي ازدهر بعد الحرب العالمية الثانية، جاء كحركة عصيان وتمرّد على الحرب وانعكاساتها في قلب مجتمع استهلاكي ومحافظ... وأنّه حمل مشروعاً ثقافياً وسياسياً مناهضاً للسائد، متفلّتاً من الأعراف والتقاليد الجامدة. وهناك علاقات روحيّة خفيّة بين الروك وتيارات أدبيّة وفكريّة شتّى في الثقافة الغربيّة، نكتفي بأن نشير بينها إلى جيل «البيتنكس» الأميركي مع جاك كيرواك وآلن غينسبيرغ الذي عاش حياة بوهيمية حرّة عنوانها عدم الامتثال للأنماط السائدة.
معظم الأفلام التي تناولت نجوم الروك لم تتنبّه إلى ذاك الخيط الرفيع بين التحريض السياسي والثقافي الذي حمله الروك في طياته، والكليشيهات المبالغ فيها أحياناً التي راجت عن فناني هذه المدرسة الموسيقيّة. هكذا نراهم على الشاشة أشبه بكائنات غارقة في التطرف والمخدرات والجنس، بوهيمية تعيش على الهامش وتغرق في ظلامها وسوداويتها. علماً بأنّ نجوم الروك أنفسهم كانوا يلعبون على هذه الكليشيهات في صورتهم وأزيائهم وأطوارهم الغريبة ونمط حياتهم.
في Clean «خالية من المخدّرات» (2004) مثلاً، رسم المخرج الفرنسي أوليفييه أساياس بورتريه لنجمة روك «متقاعدة» (جسّدتها ماغي تشونغ ونالت جائزة أفضل ممثلة عن دورها فيه خلال مهرجان «كان» عام 2004)، تحاول استعادة زمام أمورها بعدما قضى زوجها وهو موسيقي روك أيضاً بجرعة زائدة من الهيرويين. هكذا، تخرج من السجن بعد قضائها 6 أشهر وتضطر إلى معالجة نفسها من إدمانها وتغيير حياتها كي تستعيد ابنها. في هذا الفيلم، لعب المخرج على الكليشيهات المحيطة بعالم الروك الذي يفبركها هذا الأخير بنفسه، لكنّه عمل مفعم بالحنين إلى زمن الروك المستقل في ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يدجّنه النمط الاستهلاكي وشركات الإنتاج الكبرى.
أمّا Control أو «تحكّم» (2007)، فتناول فيه أنتون كوريين الحياة المأساوية التي عاشها ايان كورتيس مغنّي فرقة Joy Division البريطانية، الذي انتحر شنقاً في الـ 23 من عمره عام 1980. يصوّر الشريط هذا المغنّي الشاب ممزقاً بين الشهرة وعائلته وعشقه لامرأة أخرى غير زوجته. إلا أنّ المخرج دفع صورة النجم المتيّم إلى حدودها القصوى، حتى بدا كورتيس، ومعه عالم الروك، فضاءً مستوحىً من العوالم الشكسبيرية التراجيدية.
أما فيلم أوليفر ستون عن فرقة The doors بالعنوان نفسه (1990)، فتناول مؤسس الفرقة البريطانية الشهيرة جيم موريسون الذي كان رمزاً لأغنية الاحتجاج، وخصوصاً أغانيه ضدّ حرب الفيتنام. إلا أنّ ستون اتُّهم بالمبالغة والمغالاة، وبأنّه صوّر موريسون ككائن ثمل دوماً مسكون بفكرة الموت، يغرق في السلبية والتطرّف والاستهلاك المفرط للجنس والمخدرات. كما اتُّهم ستون بأنّه أضاف جرعات زائدة من التراجيدية إلى الشخصيات والأحداث المحيطة بموريسون الذي مات في ظروف غامضة عام 1971.
بين تأليه الروك وأبلسته، قليلة هي الأفلام التي نجحت في إبراز الوجه الإنساني لنجومه... ولعل فيلم «أنا لستُ هناك» ( I’m Not There) من بين تلك الأعمال. إذ رسم المخرج تود هاينز وجوهاً متعددة لبوب ديلان، مستعيناً بستّة ممثلين (بينهم امرأة هي كيت بلانشيت) للإحاطة بشخصيته. هكذا، اقتفى هؤلاء الممثلون أثر ديلن عبر أبرز المراحل المفصلية في حياته، ومن خلال مواقفه الأكثر راديكالية. وقد استوحى عنوان الفيلم من جملة رامبو je est un autre أو «أنا هو شخص آخر» ليقول إنّ الـ«روكر» هو كائن متعدّد ومتغيّر، ككل فنّان أو إنسان، تتطوّر شخصيته باختلاف مراحل حياته
ومواقفها.
إلا أنّ المخرج غس فان سانت فضّل الابتعاد قدر الإمكان عن عالم الروك وكليشيهاته، في تناوله آخر أيام كورت كوبان نجم فرقة الـ«نيرفانا». فيلمه «الأيام الأخيرة» (Last Days ــ 2005)، اعتبره النقاد أفضل ما أُنجز حتى الآن في هذا المجال. إذ إنّ فان سانت قدّم صورةً تصلح لأي إنسان عن كائن مضطرب وقلق وتائه، عاجز عن التواصل ويشعر بالغربة عن حياته. لا شيء في الشخصيات يحيل إلى نجم النيرفانا، وكلّ الشخصيات المحيطة به ظلّت مجهولة. على الأرجح أنّ فان سانت أراد في فيلمه أن يعيد لأساطير الروك ورموزه إنسانيتهم الضائعة... وهنا يكمن في فيلمه سرّ النجاح.


strong>جون لينون أم قاتله؟
يبدأ الفيلم من الرصاصات الخمس التي أُطلقــت على جون لينون في 8 كانون الأول (ديسمبر) عام 1980 عند مدخل بنايته في نيويورك، حيث كان يعيش مع زوجته يوكو أونو وابنهما شون.
إلا أنّ «الفصل 27» لجي. بي شافير يركّز على قاتل لينون أكثر من تركيزه على مؤسس البيتلز.
إذ يتناول الأيام الثلاثة الأخيرة من حياة لينون، من خلال رصد عميق لنفسية قاتله المضطربة: مارك دايفد تشابمان المتأثر ببطل رواية جي. دي سالينجر The Catcher in The Rye. والكتاب المذكور، الصادر عام 1951 حوى جرعات كبيرة من الجنس، ورسم غضب المراهقين وتمرّدهم. وهو كان في حوزة تشابمان عندما أطلق النار على لينون.
إلا أنّ الشريط الذي نزل هذا الشهر إلى الصالات في الولايات المتحدة، تعرّض لحملات نقدية شرسة، اتّهمت المخرج بالتعاطف أكثر من اللزوم مع قاتل
لينون.