محمد خير
هل تطال وثيقة تنظيم البثّ الفضائي الشاشة الكبيرة؟ سؤال بدأ يقضّ مضجع السينمائيين المصريين، خوفاً من انتقال «الهجمة الإعلامية الرسمية» إلى الشاشة الكبيرة... كيف لا، ونصف إنتاجات أفلام القاهرة، تعتمد على تمويل الفضائيات العربية؟


هل يمكن أن تتأثّر السينما المصرية بوثيقة تنظيم البثّ الفضائي العربي؟ سؤال بدأ يظهر تدريجاً في أوساط السينمائيين المصريين بعد توقيع الوثيقة المذكورة، كما طُرح علانيةً في صحيفة «الوفد» المصرية المعارضة. إذ حاورت «الوفد» أخيراً عدداً من السينمائيين والمثقّفين، تاركةً لهم حيّزاً يعربون فيه عن توجِّسهم من الهجمة الإعلامية الرسمية التي رأوا أنّها ـــــ وإن بدت مخصصة للشاشة الصغيرة ـــــ فقد لا تتأخر في طرق أبواب الشاشة الفضية.
ورغم أن السينما كانت دائماً أكثر جرأة من التلفزيون لأسباب اجتماعية وأخلاقية وأمنية أحياناً، ظلّت المسافة بين الشاشتين ثابتة دائماً، والعلاقة طردية. فإن سمح لبعض المسلسلات بتقديم تظاهرات، مثل تظاهرات الطلبة في مسلسل «حمادة عزو» خلال رمضان الماضي، فإن ذلك جاء طبيعياً في ظل موسم سينمائي انتقد تجاوزات السلطات، بقوة وبصيغة غير مسبوقة. حدث ذلك في «حين ميسرة» لخالد يوسف و«هي فوضى» ليوسف شاهين. وحتى في أفلام أقلّ ميلاً للسياسة مثل «الجزيرة» لشريف عرفة، و«خارج عن القانون» لأحمد نادر جلال... في هذه الأعمال، كانت المواجهات بين السلطة وأعدائها تكشف عن فساد متجذّر ومتفشٍّ لدى الجانبين. وهذا «التجرّؤ» على السلطات، حقّق جماهيرية هائلة لتلك الأفلام، كاد الجمهور معها أن ينسى ما اعتاده من سينما «نظيفة»، ذلك المصطلح الذي ينحدر كل يوم إلى هاوية السخرية. وصنعت جماهيرية هذه الأفلام مادة مغرية للفضائيات العربية التي استضافت ـــــ ولا تزال ـــــ نجوم هذه الأعمال وصنّاعها، ليفتحوا عبر الشاشة الصغيرة مزيداً من المحاور حول الفساد وضرورة التغيير. بل عاد إلى الأضواء مصطلح «سينما اليسار» على يد أحد الكتاب الليبراليين الذي هاجم الأفلام المذكورة، مصنفاً إياها تحت ذلك المصطلح. وهي تهمة لم ينفها على الأقل المخرج خالد يوسف ـــــ الذي رغم الاختلاف النقدي الدائر حول أفلامه ـــــ صنع «تهديداً» ما لسلطات يزعجها أن تتكوّن كل تلك الجماهيرية لمخرج يعلن يساريته في كل مناسبة. ومن نافل القول أن هذا «التهديد» يزعج التيار الأصولي أكثر من الحكومة.
لكن تخوّف السينمائيين ـــــ بالأحرى تشاؤمهم ـــــ من وثيقة «تنظيم البث الفضائي» قد لا ينبع فقط من شعور عام بأن السلطات العربية تستعد لهجمة مرتدة على حرية الفن، بعد انفراج نسبي في هذا الخصوص في الفترة الأخيرة. هناك أسباب أكثر واقعية تتعلق بسوق إنتاج أفلام الشاشة الكبيرة، فالسينما المصرية أصبحت تعتمد في ما يقرب من نصف إنتاجها السنوي على تمويل عربي، يوفره أصحاب فضائيات على رأسها «روتانا» و«إيه آر تي»، وفي الطريق «أم بي سي». وهي فضائيات تموّل الأفلام للحصول على حصرية عرضها والإفادة منها لاحقاً في السوق الإعلانية...
فماذا لو ضيّقت وثيقة البث الفضائي الجديدة من هامش الحريات المتاح لتلك الفضائيات؟ ألن يؤثر هذا بالضرورة على اختيارها للأفلام التي تموّلها، وعلى موضوعات تلك الأفلام وأفكارها ومخرجيها أيضاً، بل حتى على أفلام ذات إنتاج مستقل أو سينمائي بحت، لكنها تنتظر تسويقاً فضائياً لا بدّ منه لتعويض التكاليف؟ كل هذه التخوفات مشروعة، وأخطر ما فيها أنّها بعيدة حتى عن سلطة أجهزة الرقابة السينمائية العادية. بل يكفي قمع التلفزيون لإيذاء السينما، مصادقاً للمثل الشعبي المصري: «إضرب المربوط يخاف السايب»!



الوثيقة «تحت المجهر»

وثيقة تنظيم البث الفضائي التي أقرّها وزراء الإعلام العرب الشهر الحالي، ستكون محور «ندوة خاصة» تنظمها «الجزيرة» على الهواء مباشرة من الدوحة. المحطة القطرية التي رفضت تقييد الوثيقة لحرية الإعلام العربي، وتُجري على موقعها الإلكتروني استفتاءً للناس عن تقويمهم لـ «وثيقة تقييد الفضائيات»، تستضيف صحافيين وإعلاميين ومسؤولين عرباً لمناقشة هذه الوثيقة وتداعياتها على المشهد الفضائي.
21:05 – «الجزيرة»