بيار أبي صعب
ليس السؤال هل من الطبيعي والأخلاقي أن يحوّل فريق 14 آذار الذكرى الثانية لاغتيال رفيق الحريري واقعة حربيّة جديدة، في المواجهة الدائرة بينه وبين المعارضة اللبنانيّة، فيما المعارضة المذكورة تسعى بدورها إلى استرداد نصيبها (الشرعي) من الرئيس ــــــ الشهيد. فالأمثولة الميكيافيليّة لم تتغيّر: لا أخلاق في السياسة! ذكرى 14 شباط بدت حرباً اعلاميّة أولاً، تلفزيونيّة تحديداً، على خلفيّة صورة (أيقونة؟) الرئيس ــــــ الشهيد. LBC تحصي سيارات الوفود الزاحفة من المناطق، وكاميرات “المستقبل” تتجوّل بين عشّاق الحياة و“أنصار المحكمة الدوليّة”، أو تطير فوقهم قبل أن تغط على المنصّة. وفي الخندق الآخر، فهمت محطّة الـ NBN أن الجمهور (الكومبارس) غير ضروري، فجاء احتفال “حركة أمل” بالذكرى نفسها في صور، مغلقاً ــــــ لكن في تصرّف الجمهور... من خلال الشاشة الصغيرة ـــــــ ليبرز رفيق الآخر... ابن الجنوب وابن الشعب ونصير العروبة وعدوّ إسرائيل الذي لو كتب له أن ينبعث الآن، لكان في صفوف المعارضة!
وإذا كان لا بدّ لكلّ معركة من “عَصب”، فإن اللغة، بقاموسها وزلاتها ومفرداتها المبتكرة واستعمالاتها المختلفة، كانت بالأمس “عصب الحرب”. تلك الحرب بدأت عشيّة الرابع عشر من شباط، حين استضافت مي شدياق النائب سعد الحريري، في برنامج “بكلّ جرأة” الذي تشاركت “المستقبل” في نقله مع “المؤسسة اللبنانيّة للإرسال”. في معرض كلامه عن ثورة الأرز، زلّ لسان الحريري الابن فتحدّث عن «ثروة» الأرز. كما نعت جريدة «الأخبار»، بلكنته السعوديّة المحبّبة، بجريدة «الأحلام»...
في اليوم التالي، على منبر ساحة الشهداء، بين جماهير «ثروة» الأرز المحتشدة التي خاطبتها النائبة نائلة معوّض بـ«يا شعب 14 آذار»، تبارى الخطباء في إلحاق ضحايا جريمة تفجير الباصين (أوّل من أمس)، بقافلة الشهداء. تلك القافلة التي تؤكّد على عدالة قضيّتهم الوطنيّة، في مواجهة أعداء الوطن الخبثاء الذين لا يضمرون له إلا الشرّ بطبيعة الحال (أي المعارضة لمن لم يفهم بعد، أو المقاومة ضد اسرائيل إذا فضّلنا). لكن المشكلة أن معظم هؤلاء الخطباء تحدثوا عن شهداء «عين عار». يا للعار، كيف يمجّد هؤلاء شهداء لا يعرفون أين سقطوا؟ لحسن الحظّ جاء “الحكيم” وصوّب الخطأ. شهداء عين علق! الحكيم يعرف. “الجنرال” قالها بالأمس على “المنار” حين استرجع “نعيم الهبيلة ومخّول” من مسرح الرحابنة. وهنا جاء ضمير الغائب ــ كالعادة ــ ليفعل فعلته! كل خطباء 14 شباط ــــــ حتى كارلوس أدّه الذي يخلط between الضمائر ــــــ يعرفون من فجّر الباصين. إنّـ (هم) أعداء 14 آذار، وأعداء الحقيقة وأعداء المحكمة الدُوَليّة (مع فتح الواو، نسبة إلى الجمع). فجريمة «عين عار»، وحدها دون سائر الجرائم، لا تحتاج إلى محكمة.
وإذا كان الدكتور جعجع قد استشهد بالإمام علي (بتصرّف)، واستعار لضرورات المناسبة قاموس السيّد حسن أشرف الناس، فإن وليد بك جنبلاط حمل هذه المرّة إلى ساحة الحريّة، إضافة إلى شعر نزار قبّاني، «معجم الحيوان». وتزاحمت القرود والوحوش والأفاعي، لتطمئننا إلى مستقبل هانئ، يعمّ فيه الاستقرار السياسي (والأهلي) في لبنان ودول الجوار. إلى اللقاء في «المعركة» المقبلة؟