strong>إسماعيل طلاي
لنفترض أننا قرأنا الخبر التالي في الصحف: أعطى قائد دولة عربية أوامر للتلفزيون الرسمي في بلاده بضرورة تكثيف التغطية الإعلامية لنشاطات السيدة الأولى. وهو يعمل بتوصية رئيس أوروبي صديق، نصحه بإفساح المجال لزوجته المثقفة، لتدير عدداً من الندوات السياسية واجتماعات الحكومة، إلى جانب إلقاء خطب في مناسبات معينة أمام الشعب. والأهم من كل ذلك «تجنيد حملة إعلامية مركزة» لاستعادة ثقة المواطنين بالحكم، بعدما تراجعت شعبية الحاكم وتزايدت شعبية زوجته بفضل نشاطاتها الخيرية!
نجاح الخطة دفع بالحاكم إلى محاولة إقناع عدد من نظرائه بالحذو في الاتجاه نفسه، معتمداً على نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز أميركي متخصص، لم يتسرب للإعلام، جاء فيه أن زوجات الحكام العرب، يملكن مواصفات تسمح لهن بكسب ثقة الشعوب وتلطيف الصورة «الناقمة والسوداء» عن الحكم.
و “نصح” التقرير الأميركي الحكّام العرب بالتخلّي عن خطاباتهم الرنانة، بعدما أظهرت فشلها في استعادة ثقة الشعوب، والالتفات إلى الدور الذي باتت تلعبه زوجاتهم اللواتي نجحن في كسب تعاطف فئات عريضة من الشعب، بفضل «ظهورهن الإعلامي المتميز في نشاطات خيرية وإنسانية». انتهى الخبر الذي قد يمتلك كل مقوّمات الخبر، باستثناء «الصدقية»، فلا هو بالخبر اليقين، ولا حتى «كذبة أول نيسان»! بل هو أشبه بنصيحة للحكام العرب الذين صار كثيرون منهم يشجعون زوجاتهم على الظهور إعلامياً.
إلا أن ظاهرة إطلالات زوجات الحكام التلفزيونية ليست وليدة اليوم. إذ لعبت السيدات الأُوَل في الغرب أدواراً رئيسة في تحسين صورة القائد، والتأثير مراراً في الرأي العام.
الرؤساء الأميركيون أكثر حرصاً على الظهور برفقة زوجاتهم: الرئيس الأسبق بيل كلينتون عمل على مضاعفة إطلالاته الاعلامية مع زوجته هيلاري بعد فضيحة مونيكا لوينسكي. ورأى مراقبون يومذاك أن قبول هيلاري بالظهور مع زوجها كان دفاعاً «مستميتاً»، أخرجه من المستنقع الذي أوقع نفسه فيه! ويتباهى الرئيس الفرنسي جاك شيراك بالظهور مع زوجته، متحدثاً بإسهاب في وسائل الإعلام عن دورها في مساره السياسي. أما رئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلسكوني، فكادت «مراهقته المتأخرة» تفقده زوجته فيرونيكا التي تصغره بعشرين عاماً، عندما غازل مذيعة إيطالية في احتفال كبير، قائلاً لها «لو لم أكن متزوجاً لتزوجتك فوراً». فما كان من فيرونيكا إلا أن غادرت المنزل، وطالبت زوجها بالاعتذار في مقال نشرته قبل أيام صحيفة «لا ريبابليكا» اليسارية. وسارع برلسكوني إلى تحسين صورته أمام الرأي العام، واعتذر من زوجته، بعدما كشف استطلاع للرأي أن فيرونيكا تحولت نجمة الحركات النسائية الايطالية، وأن 96 في المئة من الايطاليين يدينون تصرّف برلسكوني «الشائن».
وإذا كان الإعلام الغربي قد أدى دوراً أساسياً في دخول هيلاري كلينتون وفيرونيكا برلسكوني المرتقب إلى المعترك السياسي، فإننّا نطرح هنا تساؤلاً عن علاقة الإعلام العربي بزوجات الحكام العرب، وخصوصاً أن إطلالاتهن تكاد تكون مقرونة فقط بالنشاطات الإنسانية والحفلات الرسمية.
تجمع السيدات العربيات الأول مواصفات واحدة. فهنّ (غالبيتهن) في ريعان شبابهن، والأهم، أنهن معروفات بقوة الإقناع والفصاحة وبمستواهنّ العلمي العالي.
كل هذه المواصفات تؤهلهنّ لتسلّم سدّة الرئاسة، ولو لفترة زمنية. ومثلما نجحن في كسب التعاطف الشعبي بأعمالهن الخيرية، قد يحقّقن في إدارة شؤون الحكم، ما لم تحققه لغة أزواجهن الخشبية. فهل يفعلها بعض الحكام، وينصرفون إلى الأعمال الخيرية لاستعادة الشعبية المفقودة!