بيار أبي صعب
القرّاء الذين افتقدوا مقالات زياد في الأيام الأخيرة، يعرفون أن «الغايب عذره معه». لعلكم تنسون أحياناً أنّ هذا المشاكس الذي ينتهر عظماء الجمهوريّة وملوك الطوائف، وسائر العملاء والمقاولين والسماسرة، هو موسيقيّ أحياناً. موسيقي أساساً. موسيقي أولاً وأخيراً. لقد اختفى بغية الإعداد للقاء من نوع آخر. في «الأونيسكو» الليلة أو غداً، ستفهمون السرّ، وتسامحونه.
موسيقي قبل كلّ شيء. إنه زياد الحقيقي، مهما قلنا وفعلنا. مهما ردّدنا كلمات أغنياته كأننا نكتشفها للمرّة الأولى، وتندّرنا بحواراته المسرحيّة الساخرة. مهما «فشينا خلقنا» ونحن نقرأ «ما العمل؟» (زاويته لا كتاب لينين)، أو استلقينا على قفانا من الضحك بمجرّد أن يظهر على الشاشة أو يظهر على المسرح. «أحداث حوادث لبنانيّة... طلع لبنان الجديد لحم بعجين»، كما يقول صاحبنا رشيد في «فيلم أميركي طويل» (1980). من كان يتصوّر أن هذا الفيلم «الأميركي» ما زال بعد أكثر من ربع قرن من الدم، في مشاهده الأولى؟.
لعلّها اللحظة الأهم في حياة مؤلف موسيقي. الليلة ستقوم أوركسترا عالميّة بتأدية مؤلفاته، وسيكون هنا طبعاً على البيانو. هل تتصوّرون بيروت من دون بيانو زياد الرحباني؟ بيروت هذه الأيام مذعورة، شوارعها تخلو مبكراً، وأهلها خائفون من الأعظم. يأتي زياد ويقول اخرجوا لملاقاتي. بجملة (موسيقية) واحدة يمحو الكابوس. للقتلة يمد إصبعه الوسطى. للآخرين؟ يرسم... فسحة الأمل.