مهى زراقط
لماذا نشرت الوسيلة الإعلامية (س) الخبر (ج)؟ سؤال يتردد يومياً على ألسنة كثيرين من متتبعي الوسائل الإعلامية على اختلافها. يطرحه أصحابه غالباً على خلفية وجود “مؤامرة” ما وراء كل خبر.
يفترض هذا السؤال معرفة طارحه بكواليس وعلاقات المؤسسة الإعلامية: سياستها، أهدافها، مموّليها... لذلك تتوقع أن يُطرح عادة عند مناقشة الأخبار السياسية. إلا أن زائر زاوية النقاشات التي تدور على موقع قناة “العربية” الإلكتروني، يلحظ أن هذا النوع من الأسئلة يصاحب أخباراً مختلفة بعض الشيء...
“سعوديتان تحوّلتا إلى المسيحية في أميركا تغيّران موقفهما تجاه الإسلام”... كان هذا الخبر، مثلاً، الأكثر إثارة للتعقيبات على “العربية نت” أمس. تعقيبات لم تخل من تساؤلات عن الهدف من نشر خبر مماثل: “هل هناك خبر آخر يا “عربية” عن السعودية”؟ و“لماذا تُنشر هذه المهازل؟”...
قبل أيام وردت تعليقات مماثلة، رداً على خبر حمل عنواناً مثيراً: “دأب على مضايقتها منذ نعومة أظفارها: سعودية شابة ترمّلت حديثاً تلجأ إلى دار حماية خوفاً من تحرشات أخيها”. وتلقت “العربية نت” نصائح لتغيير اسمها إلى “فضائح السعودية”... وإذا غصنا أكثر في الموقع، نكتشف أن هذه الاعتراضات تتكرر مع كل خبر يتطرق إلى قضايا اجتماعية سعودية مثل: “سعوديون لم يروا وجوه زوجاتهم طوال حياتهم”...
كانت جميعها تناقش الغاية من نشره، أي أنها تفترض وظيفة له مثل “تشويه صورة السعودية”، “التشهير بالإسلام والمسلمين”، وخصوصاً أن الوسيلة الإعلامية التي نشرته لم تقدم حلولاً: “أنا مع كل من اعترض على الخبر... لم يعمد الكاتب إلا إلى نقله، ولم يطالب بتطبيق القانون أو تعديله... نقله بهدف الفضيحة المجردة”.
أما بالنسبة إلى من دافع عن نشر الخبر، فقد رأى بدوره وظيفة أخرى له: “إذا ما أردنا تنقية مجتمعنا من الشوائب والأمراض، فلا بدّ أولاً من الاعتراف بوجودها ثم العمل على التخلص منها”، “نحن، المجتمعات العربية، في أشد الحاجة لمصارحة أنفسنا وكشف عيوبنا”.
هذا النوع من النقاش صحيّ وجديّ ويكشف وعياً لدور الإعلام وقدرته على التأثير، وخصوصاً أن تزايد التعليقات كان يبعد الحديث شيئاً فشيئاً عن نظرية المؤامرة... لكن اللافت أن هذه الأخبار التي تثير الزائر هي ما يعرف إعلامياً باسم “الأخبار المتفرّقة” (faits divers)، أي الأخبار التي تنشرها الوسائل الإعلامية الإخبارية على سبيل التنويع بغية الحصول على عدد أكبر من المشاهدين والقراء. هذه الأخبار التي تعتمد الإثارة وتتوجه إلى الغرائز، لا يتوقع ناشروها من الجمهور اتخاذ موقف منها أو الانقسام في ما بينهم بشأن الجدوى من نشرها... وظيفتها في وسيلة إعلامية إخبارية لا يتعدى الاستراحة القصيرة.
نقول إن الأمر لافت لأن التعليقات التي ترافق الأخبار الرئيسية الأخرى، والتي تستدعي نقاشاً إعلامياً حقيقياً (صور الإعدام مثلاً) تصبّ في غالبها في خانة التخوين والتكفير والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور... قد يستدعي الأمر تغييراً في تعريفات الأخبار ووظائفها... يحتاج الموضوع إلى نقاش.