مهى زراقط
المعتصمون في ساحتي الشهداء ورياض الصلح عاتبون على الاعلام. لا يطالبونه بالانحياز إلى قضيّتهم، بل فقط بنقل الصورة كما هي، أكانت لصالحهم أو ضدّهم... وبالتخفيف، ما أمكن، من حدّة «العنصرية»!

لا يبدي المعتصمون في ساحتي الشهداء ورياض الصلح سروراً ولا حتى امتعاضاً من التغطية الإعلامية لتحرّكهم. يجمعون فقط على إجابة واحدة: «الإعلام منقسم، كما كل شيء في هذا البلد». وتسليماً بهذا الواقع، تراهم لا يكترثون بما يصفونه «كذباً وافتراء» تبثّه وسائل الإعلام التي لا تتفق مع خطهم السياسي. «لا، لسنا غاضبين. نحن لا ننتظر منهم أكثر من ذلك. هم مصرّون على عدم رؤيتنا إلا وفق أفكارهم المسبقة، فماذا يمكننا أن نفعل لهم؟». لا يسوق المعتصمون هذه الجملة اعتباطاً. من خلال تواجدهم في مكان الحدث، صاروا يعرفون كيف يتم اختيار الصورة والخبر ثم التعليق عليهما. تستشف في ملاحظاتهم الكثير من النقد الموضوعي «لأننا نتحفظّ أيضاً على وسائل الإعلام التي تدعمنا».
«لم يسألونا يوماً لماذا نحن في الساحة؟»... هكذا يبدأ حسن حمادة عرضه لمشكلة التغطية الإعلامية المنحازة. ثم يروي لنا حادثة: «قبل أيام، اختار مصوّر LBC التقاط صورة لرجل كان يعمل في ورشة بناء قريبة من ساحة الشهداء، ورمى لوحاً خشبياً من فوق. في الوقت نفسه كنا نقوم بتنظيف الأرض حول خيامنا.. ألم يرَنا؟ ألم يكن قادماً لتصوير الاعتصام؟ لماذا صوّر عاملاً في ورشة بناء؟». ويرى حمادة أن محطات التلفزيون «تتصيّد شخصاً يقول لها ما تريده... أو تنتظر آخر ليخطئ ثم تصوّره. وهذا ما حصل مع ذلك الشاب الذي كان يستبدل العلم اللبناني بعلم «حزب الله». هذا فرد لا يمثلنا جميعنا. حرام أن يحكموا علينا من خلال أفعالهيعيد أبو مسلم التذكير بنقل وسائل الإعلام لصورة الجزء الفارغ من ساحة الشهداء: «كأنهم بهذه الصورة يمحوننا من الوجود؟ إنهم يحاولون اختراع حقيقة أخرى ثم يصدقونها... يكذبون ويصدقون الكذبة؟».
ويبدي أبو رامي، الذي يقصد ساحة الاعتصام يومياً بعد نهاية عمله، استياءه من هذا الأسلوب الذي تنتهجه وسائل الإعلام: «أولاً فقدوا صدقيّتهم عندنا، وخصوصاً أننا لا ننفي وجودهم، ولا نقول إن تياراتهم السياسية لا تمثّل أحداً. تعكس طريقة تعاملهم معنا شيئاً من العنصرية». ويحرص أبو رامي على التأكيد أن رأيه هذا لا يتعـــــــــلّق بسياسة «الشحن» الذي تمارسه إحدى المحطات التلفزيونية: «ضعي الشحن المذهبي جانباً، إذا أردنا أن نتحدث عن تغطية الاعتصام فحــــــسب، هناك الكثير من الافتراء... إذا كانوا ضد اعتصامنا فلينقلوا صورتنا وصوتنا على الأقل، ثم يحللوا، شارحين أسباب «ضلالنا». لكنهم لا يروننا أو لا يريدون رؤيتنا».
يذهب بشارة خير الله أبعد من ذلك في نقده. هو يرى أن الأمر لا يتعلق بصورة المؤسسة وسياستها فحسب: «هناك سلوك غير أخلاقي ينتهجه المراسلون مثل قيام مذيع بسؤال أحد المواطنين عن مذهبه أمام باب الكنيسة. هل هذا سلوك إعلامي؟». هنا، يتحمّس شاب كـــــــــان قد رفض المشاركة في الحوار لأنه لا يحب الحديث مع وسائل الإعلام ولا يثق بها: « لديّ ملاحظة مضحكة، تصوّروا أن «المستقبل» تبثّ برنامجاً مسائياً تنتقد فيه وسائل الإعلام. وهي خلصت في إحدى حلقاته إلى أن «نيو تي في» تحرّض مذهبياً... من يصدّق هذا الكلام؟ هذه نكتة».
إذاً، لم يعد المعتصمون مكترثين بما تبثه وسائل الإعلام المعارضة لتحركهم، فينهمكون في تسجيل إعجابهم أو ملاحظاتهم على وسائل الإعلام القريبة من توجهاتهم. وينطلق الحديث في هذا الإطار من المقارنة بين «المستقبل» و“المنار” والحرب الدائرة بينهما. يتفق الجميع على أن شاشة «المنار» قد لا تكون موضوعية... «لكن يجب أن نعرف من الذي بدأ؟ هي اليوم في موقع الدفاع عن نفسها»، يقول أحدهم. يقاطعه شاب ثان، ويقول: «هذا غير مبرّر. يجب أن نتركهم يخطئون ونكتفي نحن بنقل الحقيقة. الموضوعية هي المصداقية». والمثال الحي على هذا الرأي، هي محطة «نيو تي في» التي «يحترمها الجميع، من معها ومن ضدها». والموضوعية الغائبة عن «صوتنا» أي «المنار» ليست النقد الوحيد الموجّه إلى الوسائل الموالية للمعتصمين: «أحياناً هناك سوء تغطية. في الأسبوع الماضي مثلاً، ركزت تغطية «المنار» على صور العونيين القادمين من المتن، في حين أن عدد الوافدين من عاليه كان أكبر»، يقول بشارة. أما أبو حسن الذي يتفهم موقف محطات التلفزيون، فيوجه نقده إلى الصحف: «الصحافة المكتوبة لا تغطي كل النشاطات التي ننظمها ضمن فعاليات الاعتصام. نعقد لقاءات مميزة، من المفيد أن يعرف عنها الجميع».
يعي المعـــــــتصمون أهمــــــية الإعلام في تحركهم. وهم في إهمالهم لعدد كبير منها «يرفضـــــــــنا ويعاملنا بفوقية»، يطرحون مشكلة، من المفترض أن تلتـــــــــفت إليها وسائل الإعلام. وإلى حينه، يقترح أبو حسن حلاً: «فليقدّموا لنا الخبر كما هو، ونحن قادرون على تحليله»... تراه حل ممكن؟