بسمة كراشة
فيلم جوسلين صعب الجديد إشكالي بما لا يترك مجالاً للشك. من ظروف تصويره في مصر، والخلافات التي أثارها، والحصار الرقابي الذي لاحق السينمائية اللبنانية قبل انجاز المشروع الذي حملته ودافعت عنه لسنوات... وصولاً الى الضجّة المدوّية التي رافقت عرضه خلال “مهرجان القاهرة السينمائي” الأخير. وكانت المخرجة اللبنانية قد تعرضت لحملة قاسية في مصر، واتُّهمت بأنّها ليست على دراية بواقع المجتمع المصري، وأنها ركّزت على السلبيات فقط، وأكثرها اثارة للضجة في الاعلام الغربي، مثل ختان الاناث.
هذا الفيلم ــ القنبلة يحطّ رحاله أخيراً في الصالات اللبنانية بعد أن عرّج على فرنسا حيث يعرض في الصالات التجارية حالياً... والواقع أنّ “دنيا” مثله مثل “عمارة يعقوبيان”، تطرّق الى المحظورات والتابوهات والمحرمات الاجتماعية، ما أدى الى اندلاع هذه الحملة الشرسة، حتى إنّ حنان الترك بطلة الفيلم، تلقّت تهديدات بسبب “مشاركتها في الاساءة الى مصر”.
والفيلم يُقدم هذا المساء في عرض، تمهيداً لاطلاقه تجارياً، من انتاج لبناني ــ فرنسي ــ مصري مشترك. وقد تولّت جوسلين صعب بنفسها كتابة السيناريو والحوار، وأدارت ممثلين مصريين بارزين هم محمد منير وحنان ترك وفتحي عبد الوهاب وسوسن بدر وعايدة رياض وخالد الصاوي.
وإذا كان موضوع الفيلم هو الذي أراق حبراً كثيراً، وأثار ردود فعل عنيفة أحياناً، فإن “دنيا” يتجاوز مسألة ختان البنات في مصر، لمعالجة مشكلة المرأة في مجتمع ما زالت التقاليد تقبض على أفراده وتتحكّم بمصائرهم ومستقبلهم.
دنيا خريجة كلية الآداب في جامعة القاهرة تريد أن تصبح راقصة مثل والدتها. والبطلة تحب الشعر أيضاً، من هنا كان موضوع رسالتها في الجامعة “الحب في الشعر العربي”. وتتعرّف دنيا من خلال الأستاذة المشرفة على رسالتها الى الشاعر بشير الذي يكتب في السياسة والأدب. وتنشأ علاقة حب بينهما في وقت تشهد علاقتها بزوجها مرحلة من البرود الذي تعزوه دنيا الى الختان الذي تعرّضت له في طفولتها.
الا أنّ الفيلم لا يتركّز على مسألة الختان بقدر ما يتمحور حول بحث فتاة عن حريتها وأنوثتها الضائعة واكتشاف الأجزاء الغامضة من حياتها... أو لنقل بشكل أشمل: اكتشاف نفسها في مجتمع لا يسمح لأحد بالبحث خارج الأطر المحددة مسبقاً.
ولعلّ مشهد الختان واللافتة التي ظهرت في الفيلم هما اللذان أثارا كل هذه الضجة في الرأي العام المصري. اللافتة المذكورة تشير الى أنّ 97 في المئة من نساء مصر تعرّضن للختان. وهذا ما أثار حفيظة النقاد الذين اعتبروا ان الأمر مبالغ فيه، فيما أكدت المخرجة أنّ هذه الاحصاءات صادرة عن منظمة اليونيسيف. ويذكّر مشهد الختان الذي اعترضت الرقابة في مصر على قساوته وحدّته، بمشهد اغتصاب سعاد حسني في فيلم “الكرنك”.
وقبيل وصول “دينا” الى الصالات اللبنانية، بدأت 25 قاعة سينمائية فرنسية بعرضه ابتداءً من أمس، بعدما تمكّنت شركة الانتاج والتوزيع “كلير أوبسكور” التابعة للجزائري الهاشمي زرطالمن من إدراجه في برنامج الاتحاد الاوروبي “يوروميد” الذي يقدم مساعدات لسينمائيي الجنوب، وتسهيلات للعرض في فرنسا وبلجيكا وسويسرا. وهو بذلك أول فيلم جنوبي يعرض في اطار هذا البرنامج، بعدما وافقت عليه لجنة التقويم.
ومعروف أن الأفلام العربية تواجه صعوبة كبيرة في عرضها في فرنسا، على رغم تنافس عملين عربيين حالياً على استقطاب الجمهور الفرنسي: “دنيا” و“عمارة يعقوبيان”.
وقد اعتبر بعض النقاد في العاصمة الفرنسية أنّ الفيلم مصري تماماً، واعتبروه ــ إضافة الى فيلم “عمارة يعقوبيان” ــ اعلاناً لـ“عودة الروح” الى السينما المصرية.
يذكر أنّ «دنيا» لقي نجاحاً كبيراً في «مهرجان مونتريال السينمائي الدولي»، لكنّ ذلك لم يشفع له في مصر، حيث تعرض لهجوم كاسح لدى عرضه خارج المسابقة الرسمية في الدورة الأخيرة من «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي».