لندن | هيمنة سلالة باركلي على عناوين مجموعة «ذي تليغراف» الصحافيّة والمستمرة منذ عشرين عاماً، قد تنتهي سريعاً. إذ نفد صبر مجموعة «لويد» المصرفية، فتقدمت بطلب لفرض الحماية القضائيّة على الشركة القابضة المالكة (المسجلّة في جزيرة برمودا) في محاولة لتحصيل ما يمكن تحصيله مقابل دين مستحق بقيمة مليار جنيه إسترليني. إلى جانب «ذي دايلي تليغراف»، تصدر عن المجموعة «ذي صنداي تليغراف»، بالإضافة إلى مجلّة «سبيكتيتور» السياسيّة الأسبوعيّة العريقة. وتمهّد خطوة «لويدز» لبيع هذه العناوين، التي تعد درّة إعلام اليمين البريطانيّ المحافظ والأكثر تأثيراً في أوساط النخبة، في وقت تقترب فيه البلاد من لحظة انتخابات حاسمة يُعتقد أنّها ستكسر سيطرة حزب المحافظين على السلطة منذ 13 عاماً. ومع أن الخطوة كانت محتملة بسبب كتلة الديون الضخمة التي تراكمت على الشركات القابضة لسلالة باركلي، إلا أنّها تسببت في الصدمة في غرفة الأخبار في «ذي تليغراف» وأجواء الصحافة البريطانيّة عموماً.

وفي حال تم تنفيذ بيع الصحيفة التي بدأت بالظهور قبل 168 عاماً، فإن ذلك سيكون بمثابة نهاية رمزية ساخرة لعائلة تعرّضت ثروتها، التي بناها التوأمان السير فريدريك والراحل السير ديفيد باركلي في مجال العقارات والتجزئة والخدمات اللوجستية، للتدقيق بعد نزاع قضائيّ مرير داخل السلالة، بالإضافة إلى ضغوط مالية متزايدة بسبب الديون، وإخفاء الأملاك في الجنّات الضريبيّة التي تديرها بريطانيا حول العالم.
وكان المؤسسان قد استحوذا على الصحيفة في 2004 إثر حرب مزادات ضاعفت من سعر البيع، واعتبرت حينها كتتويج لجهودهما في بناء ثروة طائلة من بدايات متواضعة في أسرة من الطبقة العاملة، وانتقال رسميّ إلى حيّز الطبقة البرجوازية بعدما فتحت أمامهما الصحيفة بوابة التأثير وبناء العلاقات مع محترفي السياسة وأرباب السلطة في حزب المحافظين الذي يمثّل تحالف الأرستقراطية والبرجوازية المهيمن على البلاد منذ قرون عدة.
حافظت «ذي تليغراف » في عهد سلالة باركلي على تموضعها وخطّها التحريري كصحيفة تنافح عن مصالح النخبة الحاكمة، وفتحت صفحاتها دوماً لرموز حزب المحافظين، حتى اتهمت بأنها بمثابة الجريدة الرسميّة للحزب. ويتوقّع كثيرون الآن أن يعود بوريس جونسون رئيس الوزراء الأسبق، بعد استقالته من عمله النيابي، إلى إدارة الصحيفة التي بدأ عمله فيها كمراسل في بروكسل، على إثر طرده من «التايمز» اللندنيّة بسبب تزوير اقتباس في إحدى مقالاته.
مطّلعون على الإجراءات يقولون إنّ مجموعة «لويدز» بدت حاسمة في قرارها بيع «ذي تليغراف»، لكنّها لن تتسرّع في البيع لأول مشترٍ أو أعلى عرض، وستفضّل إيجاد جهة لن تعترض السلطات على نقل ملكيّة الصحيفة لها بسبب قوانين المنافسة، ناهيك بحساسية ارتباط الصحيفة بالمؤسسة السياسية البريطانيّة، ما قد يجعلها هدفاً لجهات ثريّة قد تستخدمها لبناء نفوذ. ويبدو مؤكداً أنّ أصحاب المليارديرات الروس تحديداً خارج اللعبة هذه المرّة بعدما كانوا دائماً من المهتمين بابتياع عناوين بريطانيّة كمدخل إلى فضاء النخبة.
وحققت «ذي تليغراف» في السنوات الأخيرة أرقام مبيع وأرباحاً ممتازة بمقاييس صناعة الصحافة، ونجحت في استقطاب مشتركين جدد من خلال موقع إلكتروني متطوّر. وقد ارتفعت أرباحها في العام الماضي – قبل الضرائب – إلى حدود ثلاثين مليون جنيه إسترليني مقارنة بـ 22 مليوناً في العام السابق.
وبحسب الخبراء، فإنّ قائمة المشترين المحتملين واسعة تضمّ شركة الـ «ديلي ميرور» (تصدر إحدى يوميات التابلويد المهمة في بريطانيا)، ومجموعة «ميدياهويس» البلجيكية التي تمتلك عدداً من الصحف اليمينية على البر الأوروبيّ، وربما أيضاً مجموعة «ناشيونال وورلد» الإعلامية، إلى جانب عدد من الصناديق الاستثماريّة السياديّة أو التي يمتلكها رجال أعمال أثرياء من خارج صناعة الصحافة، ولا سيّما من السلالات الحاكمة في الخليج، كآل سعود (السعوديّة) وآل نهيان (الإمارات) أو آل ثاني (قطر). وقد يلجأ هؤلاء إلى واجهات مسجلة في جنات ضريبيّة أو شركات غير مرتبطة مباشرة بالسلالات الحاكمة أو حتى أسماء شخصيات بريطانية بغرض تجنّب تدقيق سياسيّ أو إداريّ قد تخضع له عروضهم.
وإذا سمح بفصل «سبيكتيتو» عن «ذي تليغراف »، فقد تكون موضع تنافس كبير بين عدد من أصحاب المليارديرات، ومنهم روبرت مردوخ تايكون الإعلام الذي يمتلك صحيفتي «التايمز» و «الصنداي تايمز» واسعتي الانتشار، ويبدي اهتماماً معلناً بضم المجلّة اليمينيّة الأعرق في أوروبا، التي استمرت بالصدور أسبوعياً منذ عام 1711.
وتراوح التوقعات لسعر بيع مجموعة «ذي تليغراف » بين 350 و700 مليون جنيه إسترليني، مع أنّ البعض يميل إلى اعتبار أي شيء أكثر من 500 مليون رقماً مبالغاً فيه. على أنّه من النادر بيع أسماء الصحف العريقة وفق المعايير الماليّة التقليديّة لتقييم الشركات. مصادر سلالة باركلي تقول إنهّا تحاول إبقاء الصحيفة في حوزتها، وهي تحاول جمع الأموال من مستثمرين من الخليج العربي، ويبدو أن مجموعة «لويدز» لا تمانع ذلك إذا كان سيؤدي إلى تحصيل أموالها.
تعد درّة إعلام اليمين البريطانيّ المحافظ والأكثر تأثيراً في أوساط النخب


وكانت سلالة باركلي قد عمدت إلى نقل غالب ثروتها عبر ترتيبات ائتمانية معقدة للغاية في جنات ضريبيّة مثل جزر برمودا وجيرسي التي تتبع لبريطانيا وتوفّر ملاذات سريّة آمنة لإخفاء أموال أثرياء العالم. ومنحت هذه الترتيبات حماية لأصول السلالة من دفع الضرائب في بريطانيا، وفصلتها عن المطالبات القضائيّة التي قد تنشأ ضد شركاتها العاملة هناك. وبالفعل، لا أحد يعلم على وجه التحديد حجم الثروة الحقيقيّة للسلالة، ورفض بنك باركلي أي مسؤولية قانونيّة تجاه خلاف قضائي حاد بقيمة 100 مليون جنيه إسترليني بين فريدريك باركلي وزوجته السابقة، على أساس أن السير باركلي ليس له علاقة مباشرة بملكيّة البنك منذ سنوات. وباعت السلالة فندق «ريتز» في لندن في عام 2020 لتحصيل بعض السيولة، إلا أنّ مجموعة «لويدز» كانت حينها تحت إدارة أكثر تعاطفاً مع المؤسسين التوأم، ولم تطلق أيّ إجراءات قانونيّة لتحصيل ديونها.
وتكشف حكاية «ذي تليغراف» لكل ذي عينين عن انحطاط مهنة الصحافة في الغرب، ووهم الادعاء بدور لها كسلطة رابعة تراقب عمل السلطات الثلاث الأخرى في المجتمع المفترض أنّه «ديمقراطي». إذ إن ملكيّة العناوين الكبرى ذات الانتشار الواسع محصورة في أيدي طبقة من أصحاب رؤوس الأموال - المحليين أو المعولمين - الذين هم في علاقة آثمة مع النخبة الحاكمة، ما يفقد هذه العناوين كل ارتباط بالمصداقيّة أو القدرة على القيام بأي دور رقابيّ، لتنتهي أبواقاً للدفاع عن مصالح النخبة وسياساتها في إطار الحرب الطبقيّة، أو تسعى إلى الربح الماديّ السريع من خلال الإثارة الصفراء من دون النظر في العواقب على حياة المجتمع. صحافة مماثلة تستحق الوصف الذي أطلقه عليها الأمير هاري، ابن الملك تشارلز الثالث في شهادته الأخيرة أمام المحكمة بأنّها «بلغت الحضيض». يقول الأمير الذي خرج على التقاليد الملكيّة وادعى في محكمة مدنيّة على مجموعة «ميرور» الصحافية: «تفشل الدّيمقراطية عندما تقصر الصحافة في التدقيق في أعمال الحكومة ومحاسبتها، وبدلاً من ذلك تختار الدخول معها في فراش واحد»، و «إذا كان من المفترض أنّ السلطة الرابعة تضمن ضبط المجتمع وتوازن بين السلطات الأخرى، فمن سيضبطها إذا كانت في يد المستفيدين من السياسات الحكوميّة؟ ».
إنّها بالفعل مهزلة تامّة، لكنهم يسمونها في هذا الجزء من العالم «ديمقراطيّة ».



محطّات

1855
تأسست صحيفة «ذي ديلي تليغراف آند كورير» من قبل العقيد آرثر ب. سلي في حزيران (يونيو) 1855، وبعد 71 يوماً تم إسقاط «آند كورير» من الترويسة ليقتصر الاسم على «ذي ديلي تليغراف».

1876
تعلن «ذي تليغراف» أنها «أكثر الصحف توزيعاً في العالم»، وتقوم بحملة إعلانات عامة حول ذلك.

1925
تنشر أول كلمات متقاطعة في صحيفة بريطانية يوميّة.

1939
في آب (أغسطس)، حصلت مراسلة «ذي تليغراف» كلير هولينجورث على «سبق القرن» حين نشرت أخبار بدء الحرب العالمية الثانية بعدما رصدت تحرك الدبابات الألمانية على الحدود البولندية.

1961
إطلاق «ذي صنداي» تلغراف الأسبوعيّة.

1986
مطابع إلكترونية حديثة تمنح «ذي تليغراف» أول إصدار لها بالألوان الكاملة.

1994
أصبحت أول صحيفة في بريطانيا تمتلك موقعاً على الإنترنت مع إطلاق «ذي تليغراف» الإلكتروني.

2004
سلالة باركلي تشتري مجموعة «ذي تليغراف» بـ 665 مليون جنيه إسترليني بعد حرب مزادات مع مجموعات صحافية أخرى.

2006
ينتقل مقر الصحيفة إلى موقعه الحالي، فوق محطة لندن فيكتوريا.

2016
أطلقت «ذي تليغراف» تطبيقاً للهاتف المحمول والكمبيوتر اللوحي.

2017
أصبحت «التليغراف» العلامة التجارية الإخبارية الأولى في المملكة المتحدة مع أكثر من 25 مليون مستخدم فريد لموقعها على الإنترنت وتقرر التحوّل إلى الاشتراكات المدفوعة.
احتفلت صحيفة ذي صنداي تليغراف بصدور عددها الـ 3000.

2020
بدأت «ذي تليغراف» بنشر أرقام اشتراكاتها الشهرية المدفوعة وتجاوزت علامة الـ 500,000 اشتراك.

2021
إطلاق تطبيق «ذي تليغرا«» الجديد الذي يجمع بين الإصدار اليومي من الصحيفة والتغطية الإخبارية الحية على مدار 24 ساعة. وأنهت العام بـ 720،000 اشتراك.

2023
«ذي تليغراف» تحاول كسر حاجز المليون اشتراك مدفوع.
حجز قضائي على المجموعة تحضيراً لبيعها مقابل ديون سلالة باركلي لدى مجموعة لويدز المصرفيّة.