الذكاء الاصطناعي في الصناعة السينمائية، موجود منذ سنوات، يساعد في مرحلة ما قبل الإنتاج من خلال تبسيط هذه العملية، وتحديد الجداول الزمنية، والعثور على مواقع تصوير تناسب الفيلم. كما يمكنه توقع نجاح الفيلم، والإيرادات التي يُحتمل أن يحقّقها. على سبيل المثال، تستعمل شركة «وارنر براذرز» منصة Cinelytic القائمة على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بنجاح أفلامها. كما دمجت شركة «توينتيث سينشوري فوكس» نظام Merlin على حواسيبها. يستطيع هذا النظام بالذكاء الاصطناعي، مطابقة الأفلام مع جماهير معيّنة، بالإضافة إلى تقديم معلومات حول التركيبة السكانية الكاملة لكل منطقة ودولة ومدينة. ScriptBook نظام آخر استخدمته شركة «سوني بيكتشورز» لتحليل 62 فيلماً من أفلامها. كما يمكن للذكاء الاصطناعي إضافة ممثلين رقميّاً بمشاعر مختلفة وحتى التخلّص من بعض الأدوار الثانوية والكومبارس، عدا المؤثرات الخاصة. مثلاً في فيلم «Avengers: Infinity War» (2018)، تم تصميم الشرير ثانوس بالكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي. تستخدم الاستوديوات اليوم الذكاء الاصطناعي لترويج الأفلام، من خلال تحليل عوامل مختلفة مثل قاعدة الجماهير وشعبية الممثلين، وتخطّط لحملاتها وفقاً لمواقع معينة يحددها الذكاء الاصطناعي. كما يمكن لمحرّري الأفلام استخدام الذكاء الاصطناعي في المونتاج، إذ يساعدهم في إنشاء «تريلر» يتضمّن الخط الأساسي للسرد وتحديد المشاهد عالية الحركة والعاطفة. وبالطبع، يمكن لهذا الذكاء تأليف الموسيقى، وتحديد نغمات تتكيف مع بيئة الفيلم والمشاهد، بل يمكنه أن يصنع فيلماً بالكامل. Zone Out (2018) هو فيلم من إخراج بنجامين! والأخير هو ذكاء اصطناعي أنجز الفيلم في غضون 48 ساعة! أخيراً وليس آخر، بخصوص كتابة السيناريو، يمكن تغذية الذكاء الاصطناعي بكميات كبيرة من البيانات على شكل نصوص أفلام، فتقوم الخوارزميات بتحليلها والتعلّم منها وكتابة نصوص جديدة بسرعة كبيرة. كما يمكنه دراسة قصة الفيلم، وطرح الأسئلة المحتملة، والشكوك، والاقتراحات، ما يجعل عملية تحليل النص أسهل وأسرع.
لا شكّ في أن الذكاء الاصطناعي يساعد صناع الأفلام والمنتجين كثيراً، ولكن هل هذا ما يريده المخرج وصانع الأفلام؟ إن الاستخدام المفرط لهذا الذكاء، يجعل العملية الإبداعية أقل إبداعاً وأصالةً. هناك عدد قليل من القصص الجديدة في عالم السينما اليوم، والكثير من السلاسل («مهمة مستحيلة»، و«سريع وغاضب»، و«جون ويك» وأفلام «مارفل» و «دي سي»)، والطبعات الثانية والثالثة من أفلام يُعاد إنتاجها، حتى قبل ظهور الذكاء الاصطناعي. إذن تكمن المشكلة الأولى في غياب الخيال والإبداع، لا الذكاء الاصطناعي بحد ذاته. في النهاية، فالإبداع البشري واللمسة الشخصية ورؤية المخرج هي التي تصنع السينما. لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخلق فكرة رائعة جديدة، ما زلنا بحاجة إلى الإنسان ليصنعها وينظر إليها. وفقاً لهذا، سيكون على النقاد والمشاهدين محاسبة صانعي الأفلام والاستويوات على الاستخدام المفرط أو غير الأخلاقي للذكاء الاصطناعي.
تستعمل «وارنر براذرز» منصة Cinelytic القائمة على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بنجاح أفلامها
الذكاء الاصطناعي لا يمكنه خلق قصص أفلام جديدة، وهذا منطقي وواضح (حتى الآن)، كما لا يمكنه أن يضع اللمسة البشرية العاطفية على أي قصة يخلقها. والأخطر من هذا، هو مبني على كمية بيانات كبيرة على الإنترنت. ومع بروز الصوابية السياسية في السنوات الأخيرة، هل يمكننا أن نتخيل نوع القصة التي يمكن أن يخرج منها هذا الذكاء؟ ستكون أمامنا أفلام خارجة من أقبية الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية! إذا طلبنا من الذكاء الاصطناعي إعادة كتابة فيلم «ذهب مع الريح» (1939)، أو إعادة كتابة مسلسل «فرندز» أو «ساينفيلد»، هل يمكننا تخيّل ما يمكن أن نحصل عليه؟ مسلسل «فرندز» سيصبح حلقة واحدة، و«ذهب مع الريح» فيلماً قصيراً من ربع ساعة!
الاستنتاج المنطقي أنّ الذكاء الاصطناعي لا يمكنه أن يحلّ مكان الإنسان بالكامل، وعلى الكُتّاب تغذية خيالهم للخروج بأفكار جديدة، قبل إلقاء اللوم على التكنولوجيا الجديدة. في النهاية، ستنهار الصناعة السينمائية حتماً بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي. الممثلون سوف ينقرضون، سوف تنتهي البرامج السينمائية، لا حاجة للباباراتزي، ولا للمقابلات التلفزيونية والعروض الأولى، والأهم لا سجادة حمراء ولا جوائز أوسكار!