شخوص متخيّلة، حيوانات، نباتات، أقمار وكواكب، ألّفت لوحات السوري مجد كردية في معرضه «الطريق بأصحابه» الذي اختتم أخيراً في قاعة من مبنى «جريدة السفير» في بيروت. كلّ ما فيها خيال بخيال، قريب جداً من الرسوم التي ترافقها نصوص في كتب الأطفال، وإن لم تكن مواضيعها مفرحة، بل تكاد تكون مأساويّة لكثرة الدمار والضحايا فيها، رغم الرسائل والدعوات إلى الحب والسلام. الفن لدى كردية وسيلة تعبير مناهضة للحرب وآلامها. كأنّنا أمام متتاليات تشبه الكوميكس، بالألوان الحارّة والزاهية في تضادّ بيِّن مع الموضوع القاتم. حكاية موصولة، سلسة وبسيطة، بطلاها «فصعون» و«فصعونة»، الطفلان المتفاعلان مع حوت وفيل وحمار وشمس وزهرة. وفي معظم اللوحات/ المشاهد، نصّ يوصل الفكرة والعبرة والمسار الحكائيّ. رسم وكلام، مخيّلة وأفكار في إطار تشكيليّ واحد.

من المعرض

‏تجربة كردية خارجة على المألوف. ملوانته مبهجة على خلفيّة قاتمة، صرخة براءة طفلويّة في وجه عالم راشدين قاسٍ هم صانعو قسوته وعنفه ودماره. والكلام المكمّل هو إمّا من بنات أفكار الرسّام أو من أغانٍ مشهورة أو من قصائد لشعراء قدامى أمثال المتنبّي وعنترة وبشّار بن برد أو آخرين من الشعراء المعاصرين.
‏الفراشة والوحش والحمار والفيل ذات حضور طاغٍ في هذه الرسوم، فضلاً عن «الفصعون» وهو كائن صغير قصير القامة. «فصاعين» كردية تسرق الأحزان سعياً إلى خلق عالم مثالي. يقول الفنان: «أستلهم أعمالي من النزاعات والجدالات داخل النفس البشريّة، والحوارات لديّ هي بين الإنسان وذاته أضعها على ألسنة شخوص متعدّدة. في رسومي، حوار مثلاً مع الشمس أو القمر، وسجال بين الفيل وأزهار الحديقة. يتحوّل قلب الفيل الضخم في رسومي إلى سمكة، وينطق الحمار بالحكمة، وتتسابق الفراشات نحو نزع الأشواك من الدروب لزرعها ‏بالأزهار. الكائنات الحية وسيلة تعبير وترميز للفنان على مرّ الأزمنة، منذ رسوم الجدران لدى أهل الكهف حتى يومنا الراهن. إنّها تضفي معنى كونيّاً أشمل، فحين أروي حكاية عن العصفور، لا أربطه بزمان أو مكان.
الفن الحقيقي عابر لكلّ شيء، للزمان والأديان. عندما أتحدث عن الظلم، فعنه في كلّ زمان ومكان. تحفة العظيم أمل دنقل «سبارتاكوس» خير دليل على قدرة الفن على نقل الحدث المحلّي إلى الكونيّ الأشمل. كذلك بالأمر بالنسبة إلى «غيرينيكا» بيكاسو التي تحوّلت إلى رمز لمناهضة الحرب».
يعالج القسوة باللين، والتعقيد بالبساطة ومعرضه يستحقّ الزيارة والاكتشاف


أمضى مجد كردية (حلب ـــ 1985) الجزء الأكبر من حياته على نهر الفرات متأثراً بالإطار الطبيعي الجميل. عاش ظروفاً سياسيّة قاسية، إذ اعتقل والده اثني عشر عاماً وعانت أسرته. هذه المعاناة شكّلت وعيه الإنساني وثقافته وأسلوبه الفني الخاص، وهو يعيش ويرسم حالياً في بيروت. عرضت أعماله في العديد من المعارض العربية والعالمية بين بيروت ودبي وعمّان والقاهرة والمنامة وبرلين ولندن. تحتفي لوحات كردية بالعلاقات والمشاعر الإنسانية، تروي الحب والأمل والصراع بين الخير والشرّ، بمعالجات رمزية وأبعاد شاعرية. يعالج القسوة باللين، والتعقيد بالبساطة والرمز. يستحقّ معرضه الزيارة والاكتشاف.

* «الطريق بأصحابه»: حتى 26 حزيران (يونيو) ــــ مبنى جریدة السفیر، شارع منیمنة (نزلة السارولا ـــ الحمرا)