لا تنجز «المؤسسة العامة للسينما» في سوريا أفلامها إلا وفق خطة حكومية تريد التوقف مليّاً عند قصص الحرب. من المؤكد أنّ غياب القطاع الخاص عن الإنتاج السينمائي في سوريا، وتلاشي المهرجانات، وعدم وجود دور عرض مؤهّلة، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتهالك، كلّها عوامل أخذت الفن السابع في الشام نحو أماكن سيئة. مع ذلك، يبقى للفيلم القصير نكهته وميزته وقدرته العميقة للوصول بأعلى درجات التكثيف والرشاقة الممكنة. ولا تزال المؤسسة تمنح الفرص الأولى للمخرجين من خلال أشرطة قصيرة لتكون بمثابة إحماء وميران قبل خوض تجربة الفيلم الطويل.بناءً على هذه القاعدة، يواصل المخرج السوري الشاب علي إبراهيم إنجاز العمليات الفنية لفيلمه القصير «أسود وأبيض» (تأليفه وإخراجه وبطولة روبين عيسى). وعن هذه الرحلة وجوهرها، يقول لنا: «هذه التجربة الاحترافية الثانية مع «المؤسسة العامة للسينما»، وتتمحور حول الفرز الطبقي الذي ظهر في مجتمعاتنا وعوالم كلّ طبقة، لكن تمت معالجة النص بطريقة واقعية وحياتية، على أن يطرح العمل أحلام كل طبقة وأفكارها، ومعالمها الحسية التي تدركها».
الفيلم عبارة عن حالتَيْن اجتماعيّتَيْن متناقضتَيْن، ويطرح سؤالاً حول كيفية تعاطي كلّ من الطبقتَيْن مع الأخرى، ومحاولتها عيش حلمها وخيالها وأحاسيسها وعوالمها. لكن عندما تصطدم بالواقع، تتمرّد عليه بسبب مراراته وتحاول الارتقاء «من خلال أخلاقها، وعلمها، وثقافتها».
ويضيف المخرج الشاب: «ما أريد قوله أيضاً إنّه مهما فرزتنا الحياة والظروف علينا اللجوء إلى الخصال الحميدة والارتقاء بالعلم والثقافة والقيم الإنسانية، لأنّ ما يجمعنا على هذا الكوكب هو الهاجس الإنساني بالدرجة الأولى والأخيرة». ومن جانب آخر وفي الحديث عن «المعهد العالي للسينما» في دمشق والذي افتُتح قبل سنتين وعن أهميته في رفد صناعة السينما بمواهب شابة أكاديمية، يشدّد إبراهيم على أنّه مع التجربة الأكاديمية ممزوجة بالجانب العملي: «عندما نفصل التجربتين عن بعضهما بعضاً، نجد أنّ التجربة الأكاديمية مهمة جداً من حيث الأسس النظرية التي يتم تناولها في «المعهد العالي للسينما». ولكن تلك الأسس تبقى نظرية إلى حين دخول مرحلة عملية تبلورها لتشكّل رؤية كاملة وتصقل أدوات الطالب: «حتى شكل التنفيذ يختلف... لذلك، فإنّ التجربتَيْن مهمّتَيْن جداً لكلّ مَن يريد مزاولة هذه المهنة في سبيل صنع إنتاج سينمائي يعكس صورة بلده وثقافتها وحضارتها».
أما عن الفائدة من الأفلام القصيرة من دون إتاحة فرص عرض، فيرى أنّه «من الواجب شكر «المؤسسة العامة للسينما» والإداريين القائمين عليها الذين يصنعون نتاجاً سينمائياً على الأقلّ يعكس حياتنا وثقافتنا وتاريخنا...». ويتابع: «من المؤكّد أنّ هناك فرص عرض في سوريا ضمن آلية تنظمها المؤسسة في إطار مهرجانات الأفلام القصيرة التي لم تتوقف إلّا نتيجة الظروف الاقتصادية التي نعيشها وجائحة كورونا... ولكن قريباً جداً سينظَّم حدث خاص بالأفلام القصيرة».