إن قمنا بجولة سريعة على مهرجانات الصيف، لن نجد هذا العام الكثير من الطرب أو المغنين الذين يقدمون التراث الموسيقي العربي كما لا وجود لأمسيات مخصّصة بكاملها لهذا النوع الغنائي أو حتى الكلاسيكي الغربي. الميل أكثر إلى موسيقى العالم والفيوجن. فنانتان شابتان تتشاركان نقاطاً عدة في مسيرتهما الغنائية ستقدّم كل منهما حفلة غنائية في مهرجان صيفي مؤدية مقطوعات من التراث الغنائي الشرقي، إضافة إلى مقطوعات خاصة أو جديدة. ففي 20 الجاري، تفتتح الميتزو سوبرانو المصرية فرح الديباني (1989) «مهرجانات بيت الدين» برفقة أوركسترا بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي. الديباني باتت من الأسماء المرغوبة في الحفلات الموسيقية في فرنسا التي انتقلت إليها بعد عام 2016. تلقّت المغنية المصرية دراسات في الغناء الكلاسيكي الغربي، لذا تستعد لتقديم ألحان غنائية معروفة من هذا الريبرتوار الكلاسيكي في الجزء الأول من الحفلة. كما ستقدّم من ناحية أخرى تحية أيضاً لأصوات نسائية من أصول عربية طبعت الموسيقى والغناء مثل أسمهان، وفيروز، وداليدا التي يرى بعضهم تشابهاً بين صوتها وصوت الديباني. في الواقع، ليست المرة الأولى التي تقدّم هذه التحية، إذ اختيرت للمشاركة في إطار معرض «ديفا» الذي نظّمه «معهد العالم العربي» في باريس عام 2021 حيث أدّت مجموعة من الأغنيات تعود إلى سيدات الغناء العربيات اللواتي اعتبرت أنهن ساهمن في مسيرتها الفنية وفي طريقة غنائها ووقوفها على المسرح، بعيداً من الغناء الأوبرالي ومتطلباته المختلفة.

يعتبر صوت عبية نعمة من الأجمل في لبنان والشرق الاوسط

الفنانة المصرية الأصل غادرت الإسكندرية حيث ولدت وترعرعت وقامت بأولى خطواتها في عالم الموسيقى، لدراسة الهندسة المعمارية والعلوم في برلين. وهناك، تابعت في الوقت عينه دراساتها الموسيقية في الغناء الأوبرالي التي ترغب في استخدامه للتواصل مع الناس وتجعلهم يحبّونه ويصغون إليه من جانب مختلف كما صرّحت في إحدى المقابلات. ففي داخلها كما تقول الكثير من الطاقة تشعر بالحاجة إلى نقلها للجمهور ومشاركته أحاسيسها. الديباني تتمتع بكاريزما لدى إطلالتها على المسرح ما يشدّ المستمع إليها والى أدائها. انتقلت إلى فرنسا فكانت أول مغنية مصرية وأفريقية تنضم إلى «أكاديمية أوبرا باريس» عام 2016 حيث تمكنت من العمل على تقنيتها في الأداء لمدة ثلاث سنوات. تتقن الديباني الغناء بعدد من اللغات بفضل ثقافتها وتنقلها بين بلد وآخر، لذا فخياراتها الموسيقية متنوعة وتبتعد عن الأوبرا في الكثير من الأحيان على الرغم من حبّها لهذا النمط والجوائز التي حازتها في هذا المجال. ويتذكرها الناس خصوصاً خلال إطلالتها عام 2022 في مناسبة الاحتفال بإعادة انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً لفرنسا حين أدّت النشيد الوطني الفرنسي التي أعادت أداءه في نهائي كأس العالم الأخير في قطر، فباتت شعبيتها أوسع من الجماهير المتابعة للأوبرا والمسابقات الغنائية الكلاسيكية. ترافق الديباني أوركسترا يقودها المايسترو لبنان بعلبكي الذي لمع في السنوات الأخيرة في مجال قيادة الأوركسترا حين أصبح أصغر الفنانين سناً في قيادة الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية عام 2013. وبعلبكي يأتي من عائلة فنية غرق في أجوائها الموسيقية والفنية منذ كان طفلاً، وبدأ تلقي دروسه الأولى في هذا المجال في العزف على آلة الكمان ليتعمّق في ما بعد في العلوم الموسيقية وقيادة الأوركسترا التي طوّر معرفته بها من خلال دراسات ودورات وماستر كلاس في الخارج. وأبدى ميله خصوصاً إلى التنويع في ما يقدّمه من أنماط موسيقية بين الكلاسيكي البحت والموسيقى الجيّدة التي تستهدف جمهوراً شاملاً أوسع.
وجّهت فرح الديباني تحية لأصوات نسائية طبعت الموسيقى والغناء مثل أسمهان وفيروز وداليدا


صوت آخر يعتبر من الأجمل في لبنان والشرق الأوسط اختارته لجنة «مهرجانات جونيه» لافتتاح أولى أمسياتها في 26 الجاري، علماً أن الحفلات تُقام هذا العام في «كازينو لبنان» بدلاً من الهواء الطلق. تعدّ المغنية اللبنانية عبير نعمة رحلةً مع جمهور ميال كذلك إلى الألحان الكلاسيكية والريبرتوار الطربي، عبر مجموعة من الألحان التي تعود إلى فترة الزمن الجميل، كما من المقرر أن تقدّم أيضاً عدداً من الأغنيات الخاصة بها التي استطاعت أن تستقطب من خلالها جمهوراً واسعاً، من دون أن تقدّم تنازلات من ناحية جودة ما تؤديه. على غرار الديباني، لنعمة دراسة كلاسيكية ولكن أكثر تعمقاً وتشعباً في الموسيقى، سواء كانت في الأوبرا والغناء الغربي أو الطرب والموسيقى العربية. هي مجازة بالعزف على آلة القانون والغناء الشرقي من «جامعة الروح القدس» في لبنان، فضلاً عن أنها حائزة شهادة في العلوم الموسيقية. تظهر سهولة في الانتقال بين نمط وآخر بفضل موهبتها، من غناء عربي تقليدي إلى الأغنية اللبنانية والغناء السرياني والبيزنطي إلى الأوبرا الغربية. تتقن كذلك عدداً من اللغات، ما سمح لها بتناول أنواع مختلفة من الغناء تماماً مثل الديباني وإن كانت إمكاناتها الصوتية تفوق إمكانات الأخيرة من الناحية التقنية خصوصاً. إلى جانب الغناء والتأليف والمشاركة في عدد من المسرحيات الغنائية، قدّمت وأعدّت سلسلة من الأفلام الوثائقية في برنامج بعنوان «اتنوفوليا» الذي عُرض سابقاً على قناة «الميادين» اصطحبت خلاله المشاهدين في رحلات موسيقية حول العالم بحثاً على الجذور الموسيقية والتقليدية للشعوب. قد يكون بروزها ووصولها إلى المراحل النهائية في أحد برامج المواهب قبل أكثر من عقد ما أسهم في تعرّف الجمهور الواسع أكثر عليها، لكنّ لا شك في أنّ موهبتها الحقيقية وعملها الجاد هما اللذان جعلا هذه المسيرة تتطور في الاتجاهات المختلفة والمتشعبة التي سلكتها.