توم كروز سيدخل ذاكرة الفن السابع بصفته أحد عباقرة أفلام الحركة. هو اليوم، «نجم سينمائي» بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. كانت لدى كروز حساسية تجاه الأفلام ذات الأجزاء المتتالية، لكنّه وافق على بطولة فيلم «مهمة مستحيلة»، مع أنّه لم يكن يحبّذ تكرار الشخصيات قبل الفيلم الذي أخرجه براين دي بالما عام 1996. تغير ذلك مع بداية مغامرات إيثان هانت. أهم ما جذبه في البداية هو أن كلّ جزء جديد سيتولىّ إنجازه مخرج مختلف يضفي لمسته الخاصة على السلسلة. الجزء الثاني من السلسلة، حمل بصمة مخرج أفلام الحركة الشهير جون وو («القاتل»/ 1989)، «فايس/أوف»/ 1997). الثالث كان من توقيع جاي جاي إبراهام، الذي أخرج جزأين من سلسلة «حرب النجوم». مخرج الجزء الرابع كان مفاجأة: براد بيرت مخرج أفلام صور متحركة، قدم جزءاً تفوق فيه على الجزأين السابقين.
Mission: Impossible – Dead Reckoning Part One مصوّر بشكل جيد ومكتوب بشكل مسلّ

تغير كل ذلك مع وصول المخرج كريستوفر مكاواري، كاتب سيناريو فيلم «المشتبه فيهم المعتادون» (1995)، الذي تعاون معه كروز للمرة الأولى في فيلم «جاك ريتشر» (2012)، الذي حقق نجاحاً كبيراً. منذ ذلك الحين، أصبحا لا يفترقان. أخرج مكاواري الجزء الخامس والسادس، وهذه السنة، تولّى الجزء السابع «مهمة مستحيلة – الحساب الميت: الجزء الأول». فيلم حركة مذهل، مع مشاهد أكثر خطورة من الأجزاء السابقة، وحوارات وأداء أكثر أهمية. باختصار، نحن أمام جزء أكثر نضجاً وأفضل بناءً من السابقين، ومعه تجد السلسلة توازنها المتجدد.
«مهمة مستحيلة» واحدة من أطول سلاسل الأفلام، تمكنت على مرّ السنين من إعادة ابتكار وتحديث نفسها، من دون الخوف من التجربة ومن دون أن تفقد شيئاً من جوهرها الأصلي الذي بدأ من التلفزيون، قبل أن ينتقل إلى السينما. جزؤها الجديد جعلنا نقع في حب الفرقة مرة أخرى، ونذهب معها في مهمة مستحيلة جديدة مرتبطة بأخبارنا الحالية والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. «مهمة مستحيلة – الحساب الميت الجزء الأول»، هو الفصل الأول من فصلين، تهدف إلى أن تكون الأخيرة، مع وضع حد لمغامرات ومصائب إيثان هانت كعميل خاص مخصّص لإنقاذ العالم مراراً وتكراراً.
عودة هانت إلى الشاشة لم تكن لتكون أفضل، يظهر الجزء الأول من «الحساب الميت» أنّ «مهمة مستحيلة» لا يزال يحافظ على وضعه بشكل ممتاز، ولديه الكثير ليقدمه. يتبع الفيلم الهيكل التقليدي في الإخراج عند مكاواري: سريع، مثير، مباشر. لا يضيع الفيلم الوقت في مقدمات مبالغ فيها، لأنه يفترض أنه إذا وصل المشاهد إلى هذا الجزء، فهو لأن لديه رابطاً متيناً مع الشخصيات الرئيسية التي شاهدها في كل جزء. وهذا يتيح للفيلم الانتقال مباشرة إلى الحركة ووضع المشاهد من البداية في مواقف مثيرة. يأخذ «مهمة مستحيلة – الحساب الميت الجزء الأول» السلسة إلى مكان جديد، مع التشديد، قبل أي شيء، على أنّها ليست قصّة تجسس مثل جيمس بوند، بل أكشن كثيفة متعددة الطبقات، بالتشابه الواضح أكثر من المعتاد مع جزء دي بالما الأول.
أعضاء فرقة المهمات المستحيلة (IMF)، إيثان هانت (توم كروز)، بنجي دان (سيمون بيغ)، لوثر ستيكر (فينك راموس) بالإضافة إلى العميلة البريطانية إيلسا فوست (ريبيكا فرغيسون)، يتصارعون الآن مع آلة قادرة على التلاعب وتحويل الواقع. هذه المرة العدو ليس أُمه، وليس شخصاً ولا جاسوساً ماهراً، ما يواجه هانت وفرقته هذه المرة هو الذكاء الاصطناعي، الذي قد يكون في كل مكان في آن. «الكيان» هو العدو الجديد، الذي ينبغي لهانت وفرقته محاولة العثور على المفتاح الذي يدمره ومن ثم العثور على مكان «الكيان» الأساسي. يصيب مكاواري الهدف في هذا العدو، بسبب مواضيعه الآنية في العالم اليوم، وأيضاً في الشخصيات الجديدة، مثل غابرييل (ايساي موراليس) الشرير الذي يعتقد أن «الكيان» قد كتب بالفعل مصير العالم، وغرايس (هايلي أتويل) الإضافة الجديدة للفرقة، المتناسقة تماماً مع مستوى الطاقة العالي لكروز، هذه الشخصية القوية التي تستحوذ على الانتباه في معظم مشاهد الفيلم. بالإضافة إلى ذلك، يعود العميل كيتريدج (هنري تشيرني) الذي لم نرَه منذ الجزء الأول.




«مهمة مستحيلة – الحساب الميت الجزء الأول»، يثبت مرة أخرى أن أفلام «مهمة مستحيلة» هي استثناء عندما يتعلق الأمر بقواعد سلاسل الأفلام. نحن أمام سلسلة، لا تظهر عليها أي علامات استنزاف. سلسلة توم كروز تزداد جودة تدريجاً مع كل جزء، سواء كان في تقديم شخصيات أكثر إتقاناً، أو قصص أفضل، أو ببساطة تقديم كروز مشهداً مستحيلاً آخر لتسليتنا. هذا الفيلم بلا شك يعتبر أحد أفضل أفلام «البلوكباستر» المعاصرة، مشحون بالأدرينالين والحركة والفكاهة. إنه الفيلم الترفيهي الأكثر إمتاعاً في العالم اليوم. هو التعريف الحقيقي للترفيه الناجح على الشاشة، إيقاع متوازن وأحداث متصاعدة تحافظ على شعور متواصل بالخطر من خلال اللقطات القريبة والواسعة التي تسلّط الضوء على ضخامة العمل. بالطبع، توم كروز يتفوّق بتفانيه المذهل المجنون لشخصيته. مرة أخرى، وكما فعل سابقاً، قام بتنفيذ مشاهد الحركة بنفسه، وهو يخاطر حقاً بحياته. جميعاً شاهدنا قفزة الدراجة النارية. مشهد كان عليه تكراره مرات عدة للحصول على أفضل لقطة، وقد يبقى واحداً من أخطر المشاهد في تاريخ السينما. تم تصوير هذا المشهد في اليوم الأول، والنتيجة مشهد يترك المشاهد عاجزاً تقريباً ويلهث أمام الجنون الذي يراه أمامه.
قفزة الدراجة النارية تبقى واحداً من أخطر المشاهد في تاريخ السينما


إحدى سمات هذه السلسلة أنّها تحاول باستمرار التفوق على نفسها، وتقاوم بشدة فكرة أن تصبح مجرد فيلم حركة عادي. يتم تحقيق ذلك من خلال استخدام ذكي للفكاهة لتخفيف التوتر في بعض الأحيان. ينجح الضحك على الذات عادةً في السينما، وينجح هنا بشكل رائع، مبرراً تلك المواقف التي تكون مستحيلة ومضحكة في آن. هناك شيء قدمه مكاواري لهذه السلسلة وفي هذا الفيلم بالتحديد، وهي مشاهد الحركة وإدارة التوتر الذي يمنحنا لحظات لا تنسى. من المثير رؤية كيف تتطور مشاهد الحركة بجانب القصة، وتؤثر على كل عنصر فيها، والفيلم يتغذى منها. تلك المشاهد مبنية في وقت تنفيذها وظهورها لكي تخدم في سرد القصة. وهنا يظهر السيناريست الحقيقي والمخرج الحقيقي بالاشتراك مع المحرر الجيد. يقدّم لنا الفيلم مشاهد حركة لا تنسى، بدايةً بالقفزة الرهيبة إلى مشهد المطاردة في روما ومشهد القطار الطويل في نهاية الفيلم. ويجب أن نلاحظ أن لكل مشهد روحه الخاص وحركة وهيكلية واضحة مختلفة، يمكننا أن نرى كيف أن مشاهد الحركة في البندقية تتميز بظلام معين، تتوافق مع السرد والحدث الكبير الذي يحصل هناك. ينجح الفيلم في الغوص في قصة مثيرة تتعمق في شخصياتها. ويظهر هذا أيضاً في أهمية المجموعة، حيث توقف هانت من كونه عميلاً وحيداً، ليكون جزءاً من مجموعة تقوّى بها روابط الصداقة التي تثري الفيلم عاطفياً.
يتمتع «مهمة مستحيلة – الحساب الميت الجزء الأول»، بإيقاع رائع، مع لحظات راحة، ما يعني أنك لن تشعر بالملل لحظة واحدة على مدى حوالي ثلاث ساعات. يتألق الفيلم لأنّ كل شيء يتناسب داخله، فهو يقدم قصة منطقية مثيرة، مصوّر بشكل جيد، مدروس ومكتوب وطبعاً مسلٍّ، ويجب مشاهدته على الشاشة الكبيرة. لكن ما لا يتضمنه الفيلم بالطبع هو الخاتمة، يفصلنا عام واحد عن النهاية.

* Mission: Impossible – Dead Reckoning Part One في الصالات