مرّت 50 سنة على أحد أكثر ألبومات الموسيقى الحديثة تأثيراً. في آذار (مارس) من عام 1973، صنعت فرقة الروك البريطانية الأسطورية «بينك فلويد» التاريخ بإصدارها «وجه القمر المظلم» (The Dark Side of the Moon). الألبوم الذي يُعتبر من صنف الروك التجريبي والـ«بروغريسيف روك»، تضمّن 10 أغنيات، أشبه بأغنية واحدة تمتدّ لأكثر بقليل من الأربعين دقيقة. ما من أحد لم يسمع بهذا العمل، أو على الأقلّ يرى غلافه الشهير. ألبوم ساحر بكل ما للكلمة من معنى، من الصعب أن يكون له مثيل.طوال السنة الحالية، تواصل الفرقة بأعضائها المتبقّين الاحتفال باليوبيل الذهبي لعملها، عبر التسويق له على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر مقابلات، وإقامة معارض، وصولاً إلى إصدار Box Set تتضمّن نسخاً مرمّمة من الألبوم وأخرى أُدّيت على المسرح، فضلاً عن كتب وأشياء أخرى. حين أبصر The Dark Side of the Moon النور، كانت «بينك فلويد» تضمّ ديفيد غيلمور (غناء وغيتار)، ورودجر ووترز (غناء وباص)، وريتشارد رايت (غناء وكيبورد وبيانو)، ونِك مايسون (درامز). صحيح أنّ جميعهم شاركوا في التلحين، إلا أنّ الفضل الأكبر في العمل يعود إلى ووترز وغيلمور، فيما تفرّد الأوّل بكتابة الكلمات كلّها. وشارك مع الفرقة موسيقيّون آخرون، أهمّهم ألان بارسونس الذي هندس الصوت وديك باري الذي قدّم موهبته على الساكسوفون وكلير توري التي تفوّقت بصوتها الأوبرالي.
جرى العمل على الألبوم خلال حفلات الفرقة الحيّة، وطُرحت نسخة أوّلية منه قبل تسجيله في استديوات «آبي روود» في لندن بين عامَي 1972 و1973. استخدمت الفرقة مروحةً واسعة من الآلات الموسيقية وتقنيّات تسجيلية كانت تُعتبر فائقة التطوّر في حينه، بما في ذلك تقنيّات التسجيل متعدّد المسارات وعملية تدوير الشريط. برز استخدام أجهزة السينثيسايزر التناظرية في أغاني عدّة من الألبوم، بالإضافة إلى اقتباسات وحوارات مُزجت مع الموسيقى لتناسب الأفكار الفلسفية المطروحة. أمّا الغلاف الأيقوني، فصمّمه ستورم ثورغيرسون بناءً على طلب ريتشارد رايت الذي أراد غلافاً يمزج بين البساطة والجرأة. يظهر في الغلاف موشور زجاجي يمثّل مواضيع الألبوم، يدخل فيه شعاع ضوئي ليخرج طيف مرئي يمثّل أيضاً المؤثّرات الضوئية التي اشتهرت بها الفرقة في حفلاتها. شهرة الألبوم وصلت إلى درجة بات جزءاً من «الثقافة الشعبية»، ولا يزال يظهر في تصاميم الملابس والأكسسوارات وغيرها حتى يومنا هذا.
شملت المواضيع المطروحة الحياة والموت والنزاعات والرأسمالية والوقت والكآبة والإضطرابات النفسية


كان نجاح الألبوم فورياً، فتصدّر قائمة «بيلبورد 200» لأسبوع، وبقيَ على قوائم الألبومات الأكثر مبيعاً لمدّة قياسية بلغت 741 أسبوعاً (بين عامَي 1973 و 1988). وقُدّر عدد النسخ المُباعة بنحو 50 مليوناً، فكان بذلك أنجح ألبومات «بينك فلويد» تجاريّاً، وثالث أكثر ألبوم مبيعاً في التاريخ بعد Thriller لمايكل جاكسون وBack in Black لـ AC/DC.
موسيقياً، يُعدّ The Dark Side of the Moon خارج الأطر المتوافق عليها لغاية اليوم. فقد أثبتت موسيقاه أنّ اعتماد قواعد أو قوالب معيّنة ليس بالضرورة المطلوب، وقد لا يكفي من دون بعض «التجريب» وإضافة عناصر قد تُعتبر «غريبة» لكن تتكامل مع الألحان بشكل يترجم المعنى المنوي إيصاله. ما سبق ليس سهلاً على أيّ كان القيام به، وهنا تظهر براعة الفرقة وأفكارها الخلّاقة، بحيث تمزج بين عناصر من الموسيقى الكلاسيكية والسايكدلية والروك والبلوز وغيرها. يصدح غيتار ديفيد غيلمور الإلكتروني فيقدّم للعالم بعضاً من أفضل ما عُزف على هذه الآلة، فيما ينبض كيبورد ريتشارد رايت بالإيقاعات الميتافيزيقية، بينما يتغلغل صوت رودجر ووترز المميّز بين صوت الآلات، ليتماهى معهم نك مايسون على الدرامز بإيقاعات تمدّ وتجزر بحسب نبض الموسيقى.
على صعيد الكلمات، شملت المواضيع المطروحة مفاهيم فلسفية حول الحياة والموت والنزاعات والرأسمالية والوقت والكآبة والاضطرابات النفسية. كانت فكرة ووترز أن يكون مفهوم الألبوم موحّداً بموضوع واحد (بتفرّعاته)، فوافق أعضاء الفرقة الأربعة. «جميعنا ظنّ أنّ كثيراً من الكلمات التي استخدمناها كانت غير مباشرة بعض الشيء، إذ كان هناك شعور مسبق بأنّها ستكون واضحة للغاية ومحدّدة»، قال غيلمور في مقابلة مع مجلة «رولينغ ستون» ذات مرّة.


كعادته، اختار ووترز أسلوباً يعتمد على خلق الترابط الفكري بين الأغنيات كافّة وتشكيل وحدة فنّية متماسكة متعلّقة بالعنوان الذي بدوره يتمّ ذكره في الألبوم، فتقول الكلمات الأخيرة فيه إنّ «لا جانب مظلماً للقمر حقّاً، بل هو مظلم دائماً». يجذب ووترز بعبقريّته المستمعين إلى أفكاره ورؤيته للحياة. فهو يعبّر عمّا يقاسيه الإنسان في هذه الحياة، بدءاً الافتتاحية الموسيقية الغريبة لأغنية Breathe وكلماتها الموجّهة إلى مولود جاء لتوّه إلى الدنيا وعليه أن يتنفس الهواء للمرّة الأولى في حياته. المشهد الذي يُفترض أنّه سعيد ويبعث على الأمل، يحوّله ووترز الذي فقد والده في الحرب العالمية الثانية إلى كآبة خالصة بعدما يخبر الصغير بحقيقة الحياة المريرة، وما سيلاقيه فيها من مطبّات، وأنّه من البؤس أن يتكبّد المرء كلّ هذا الشقاء ليحتضر في النهاية.
بقيَ على قوائم الألبومات الأكثر مبيعاً لمدّة قياسية بلغت 741 أسبوعاً


تُعدّ أغنية Time من أقوى ما كتبه ووترز في هذا الألبوم، وهي تتحدّث عن اللحظة التي يكتشف فيها المرء فجأةً أنّ عشر سنوات أو أكثر قد مرّت من عمره بلمح البصر من دون أن يشعر، وأنّ الزمن خدعه وأوهمه في الصغَر بأنّ هناك الكثير من الوقت. ولا تكتمل الأغنية من دون مقطع عزف منفرد على غيتار ديفيد غيلمور الذي يأخذ المُستمع في جولة عابرة للوقت. كما تتناول أغنية Money بطريقة ساخرة، حياة نجوم الروك وما يتعرّضون له من ضغوطات رغم النجاح والشهرة والأموال الهائلة. تسخر الكلمات من تأييد الجميع للتقسيم العادل للثروات طالما أنّ ذلك لا يقتطع من نصيبهم شيئاً، وفي هذه الأغنية أيضاً مقطع غيتار لافت من غيلمور وآخر على الساكسوفون لديك باري. أمّا The Great Gig in the Sky التي لحّنها ريتشارد رايت (1943 ــ 2008) ويعزف معظمها على البيانو وتغنّي فيها كلير توري من دون كلمات، فتعبّر عن معاناة نجوم الروك مع السفر الدائم والتوتّر المصاحب له الذي يجلب التفكير بالموت والخوف من المجهول. وتتحدّث Us and Them عن الحرب والجموع التي يحرّكها الجنرال كما يشاء. ينتهي الألبوم بأغنية Eclipse التي نستمع فيها إلى كمّ هائل من الكلمات التي تصف جوانب الحياة المختلفة، لتردف بأنّ كلّ ذلك مصيره الزوال.
إنّه فعلاً سيمفونية عابرة للزمن، موسيقياً وكلامياً وفلسفياً. ليس غريباً أنّه بعد أكثر من نصف قرن لا يزال عدد المستمعين في تزايد. معجبون يقدّرون ما كانت عليه الموسيقى ذات يوم قبل أن تنزلق إلى ما آلت إليه اليوم. وهو واقع ــ للمفارقة ــ شكّل جزءاً ممّا تناوله The Dark Side of the Moon.



إصدار خاصّ


تحت عنوان The Dark Side of the Moon 50th Anniversary، أعادت «بينك فلويد» طرح «وجه القمر المظلم» بإصدار هو عبارة عن Box Set تشمل نسخة مرمّمة على يد جيمس غوثري الذي عمل مع الفرقة طويلاً، مقدَّمة على فينيل وقرص مدمّج (CD)، بالإضافة إلى نسخة مرمّمة من Live at Wembley 1974 (أداء حيّ للعمل في ويمبلي 1974) على فينيل وقرص مدمج أيضاً، وقرصَي «بلو راي» وDVD. تشمل المجموعة أيضاً كتاباً من 160 صفحة لصور فوتوغرافية من جولات 1973 ــ 1974، وآخر من 76 صفحة يحتوي على النوتات الموسيقية لأغاني الألبوم، وقرصَين بقياس 7 بوصات، ونسخة طبق الأصل من الكتيّب وبطاقة الدعوة الخاصَّين بحفلة إطلاق الألبوم في «لندن بلانيتاريوم» في 27 شباط (فبراير) 1973، وأربعة ملصقات، اثنان منها مطابقان لتلك التي ترافقت مع الإصدار الأصلي.

أحداث أخرى

بالإضافة إلى الـ Box Set، أطلقت الفرقة مسابقة تحريك رقمي للراغبين في تقديم مقاطع أنيمايشن ترافق موسيقى الألبوم، على أن يتمّ اختيار الفائز أواخر العام الحالي من قبل عضو الفرقة نك مايسون والمصمّم أوبري باول و«معهد الفيلم البريطاني». وعلى غرار عرض الـ«بلانيتاريوم» (معرض القبّة الفلكية) عام 1973، تمّ تشغيل الألبوم في معارض الـ«بلانيتاريوم» حول العالم طوال شهر آذار الماضي، مع عرض بصري مذهل ثلاثي الأبعاد (الصورة). كما أُصدرت سلسلة مقاطع قصيرة على يوتيوب تتضمّن لقطات أرشيفية لأعضاء الفرقة وهم يتحدّثون عن الألبوم، وأخرى جديدة للمشاركين في تنظيم فعاليّات الذكرى الخمسين.

ماذا عن The Wizard of Oz؟

يُقال إنّه إذا ما تمّ الاستماع إلى «وجه القمر المظلم» بالتزامن مع مشاهدة The Wizard of Oz انطلاقاً من نقطة محدّدة، يبدو وكأنّه سُجّل ليتماشى مع الشريط الكلاسيكي الشهير. يمكن ملاحظة ذلك في مشاهد عدّة حيث تتطابق الموسيقى أو الأصوات أو الكلمات مع ما يحصل في الفيلم، ويصل الأمر أحياناً إلى حدّ تشكيك المستمع في أن يكون الأمر مجرّد صدفة. أُثير الموضوع للمرّة الأولى عام 1995 في مقالة في إحدى صحف ولاية إنديانا الأميركية تحت عنوان «وجه قوس قزح المظلم». وهناك فيديوهات عدّة على يوتيوب تُظهر المزج وتحاول تفسيره. علماً أنّ الفيلم أطول من الألبوم بساعة تقريباً، وأفراد الفرقة نفوا مراراً تعمّدهم الأمر. فقد اعتبر غيلمور الموضوع مجرّد نتيجة مجهود لـ «رجل لديه الكثير من الوقت»، ووصفه كلّ من ووترز ومايسون بأنّه «هراء»، فيما أكّد مهندس الصوت ألان بارسونز أنّه ليس بيَد الفرقة وسيلة لتشغيل أشرطة الفيديو في استديو التسجيل. لذا فقد اقترح بعض المعلّقين أنّ التصادف قد يكون نتاج بواطن عقول أفراد الفرقة. أيّاً يكن، الثابت أنّ المزج يستحقّ الاكتشاف.

شعار يستفزّ المحافظين

تماشياً مع الحملة الإعلانية التي أطلقتها الفرقة في مناسبة يوبيل ألبومها الذهبي، صُمّم شعار فيه رقم 50 (للإشارة إلى عمر الألبوم) مع عناصر من غلاف الألبوم الأصلي، بما في ذلك قوس قزح الذي يخرج من الموشور الزجاجي. الألوان هذه استفزّت عدداً من المحافظين الأميركيّين المتعصّبين ممّن لم يروا غلاف الألبوم من قبل، فظنّوا خطأً بأنّ الفرقة تحاول إظهار دعمها للمثليّين عبر إدخال راية مجتمع الميم إلى شعارها! هكذا، راح هؤلاء يكيلون الشتائم في خانة التعليقات تحت منشورات الفرقة على السوشل ميديا، فجعلوا من أنفسهم مادّة للسخرية بحيث انتشرت «ميمز» تهزأ من حماقتهم!