مشوار اقترب من عامه العشرين، نجحت خلاله فرقة «كاريوكي» في البقاء، رغم موجات نقد وتحوّلات مجتمعية عاتية. لكن نجاح هذه المجموعة بلغ ذروته أخيراً عبر عمل درامي وليس ألبوماً غنائياً، إذ وثّق مسلسل «ريفو» بشكل غير مباشر الفلسفة التي قام عليها أصحاب «مطلوب زعيم».تجربة هي الأولى في سجل الدراما المصرية، لكن الأسبقية ليست فقط بأنّ مسلسل «ريفو» خرج كأنّه تسجيل للطريقة التي انطلقت من خلالها فرقة الأندرغراوند القاهرية في مطلع الألفية الحالية، وإنّما تتعلّق بأنّه إضافة مهمّة، تطرح صيغة درامية غير تقليدية. عمل يُفترض أنّه متخيّل بالكامل، لكن الاستعانة بنجم «كاريوكي» المغنّي أمير عيد، وعازف الدرامز تامر هاشم، أسهمت في أن تبدو الأحداث على تماس مع حكاية الفرقة، من دون أن يضطر الجمهور للتعامل مع الحلقات على أنّها وثائقية، أي إنّ المؤلّف محمد ناير استلهم ربما بدايات الفرقة الصعبة، لكنّه نسجها مع قصة مختلفة تماماً عن فريق ظهر في منتصف التسعينيات قبل أن يتوقف فجأة بسبب وفاة مؤسّسه.
ظهر الجزء الأول من «ريفو» في صيف 2022، عبر منصة WATCH IT المملوكة للحكومة المصرية، ليُعَدّ اليوم ــ بعد عام واحد ـــ أحد أنجح أعمالها على الإطلاق إلى جانب المسلسل الكوميدي «بالطو». انطلق العمل، وهو الأوّل في رصيد مخرجه يحيى إسماعيل، من «مريم حسن فخر الدين»، وهي ابنة سينارست معروف يموت فجأة وهو يكتب سيناريو فيلم عن فرقة مندثرة اسمها «ريفو». تقرر الشابة أن تكمل النص وتبحث عن هذه الفرقة بعد مرور ربع قرن على انتهائها، لتكتشف أنّها تبحث في ماضيها الشخصي! يتضح تدريجاً أنّ مؤسّس الفرقة «شادي أشرف» هو شقيقها لأمّها، وأنّ والدها الراحل كان يحاول إحياء ذكرى الأخ وفرقته. يتجمّع أعضاء الفرقة من جديد ليرووا ما جرى لـ «مريم»، مع الاحتفاظ بأسرار عدّة ينتظر الجمهور حتى خروج الجزء الثاني من العمل (مؤلّف من عشر حلقات) أخيراً لمعرفتها. حقق الجزء الجديد نجاحاً ربّما فاق الأوّل، وأكد أنّه لم يكن مجرّد ردّ فعل، وإنّما تمّ التخطيط له درامياً من قبل صنّاع المسلسل. لم يسبق لأمير عيد أن شارك في أي عمل درامي، وربّما لن يعيد الكرّة بعد «ريفو». قدراته التمثيلية لن تسمح له بتعدّد الشخصيات، لكن فريق المسلسل لم يكن ليتقدّم خطوة واحدة من دون موافقته. إذ كان هو الخيار الأوحد لشخصية «شادي أشرف»، مؤسّس الفرقة المتخيّلة. نجح عيد بالفعل في تجسيد الشخصية، وصدّقه المشاهدون حتّى من غير محبي الفرقة. والأهم هو تقديم أغنيات عدّة بطريقة «كاريوكي»، باعتبارها أغنيات «ريفو» في السنوات الأخيرة من تسعينيات القرن الماضي.
أما الموسيقى التصويرية التي وضعها ساري هاني، فلعبت دوراً رئيسياً في ربط المشاهدين بالشخصيات، وخصوصاً التيمة المستخدمة في مواقف الغموض التي كانت تواجه «مريم» وهي تفك الألغاز وتفاجأ بأنّها لم تكن تعرف شيئاً عن ماضيها، إذ أخفى عنها والدها إصابة أمّها بمرض ألزهايمر المبكر، ووفر لها أمّاً بديلة قبل أن تفتح لها وفاته باب الذكريات.
أكّد «ريفو» على امتلاك تامر هاشم قبولاً واسعاً عند الجمهور من خلال شخصية «ماجد جورج»، كما أنّه ضاعف جماهيرية صدقي صخر في شخصية عازف الكيبورد «مروان»، فيما أضاف الكثير لحسن أبو الروس ومينا النجار، باقي أعضاء فرقة «ريفو»، إلى جانب العديد من الأسماء التي تألقت بسبب الحالة المتميزة للعمل ككل. ومن بين هؤلاء، نذكر: محسن محيي الدين وإيفا وميران عبد الوارث. وظهر المغني والعازف حسام حسني بشخصيته الحقيقية كشاهد على تأسيس الفرقة ومحتفظ بأرشيفها.
يعد المسلسل قفزة في مشوار محمد ناير مع الكتابة الدرامية، وهو صاحب المسلسل الذي اعتبره كثيرون نقطة تحوّل في الدراما المصرية عام 2012: «المواطن إكس». وإن كان قدّم بعده أعمالاً أقل تأثيراً، لكن «ريفو» وضعه مجدداً في مكانة مختلفة، إذ لم يعتد المشاهد المصري التعامل مع هذه الصيغ الدرامية من قبل.
على خط موازٍ، افتقد المسلسل لحملة دعائية احترافية من منصة WATCH IT، لكنّه صمد بفضل جماهيرية أبطاله وبالتحديد فرقة «كاريوكي» التي استغلت الأغنيات الدرامية في حفلة شهدت إقبالاً كبيراً في «قاعة المنارة» قبل أيام، تاركةً سؤالاً أساسياً بلا إجابة: هل اكتفى صنّاع «ريفو» بهذا القدر أم سيفكّرون في تقديم فيلم سينمائي؟
وبالتأكيد لن يكون هو الشريط الذي كانت تكتبه «مريم» في الحلقات التلفزيونية لأنّ تفاصيله انكشفت، لكن ارتباط الناس بالفرقة وحكاياتها يسمح بقصة سينمائية جديدة، إلا إذا خشيت «كاريوكي» منافسة «ريفو»!

*«ريفو 2» متوافر على WATCH IT