رُبّ صدفة خير من ألف ميعاد. عبارة تنطبق على كارول عبود التي قادتها المصادفة للعودة إلى المسلسلات، بعد سنوات من الغياب والانشغال بالسينما والمسرح. بين عامَي 2019 و2020 تدفّقت الأدوار على الممثلة اللبنانية في عزّ أزمات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فقد تلقّت ثلاثة عروض دفعة واحدة للعودة إلى الدراما التلفزيونية. هكذا، أطلّت في مسلسلات «مرايا الزمن» (تأليف فتح الله عمر، وإخراج محمد وقاف)، و«النحّات» (تأليف بثينة عوض، وإخراج مجدي السميري)، و«أولاد آدم» (كتابة رامي كوسا، وإخراج الليث حجو). العودة إلى الشاشة الصغيرة لم تكن عادية، إذ وضعت كارول فيها كل ثقلها كأنّ الفرصة أتتها لتعوّض غيابها الذي كان قراراً شخصياً... وهي صاحبة رصيد لافت في الأعمال الدرامية، بدءاً من مسلسل «العاصفة تهب مرتين» (كتابة شكري أنيس فاخوري، إخراج ميلاد هاشم) في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى الأعمال الجدية التي طرحت قضية أساسية على رأسها النضال ضد العدو الإسرائيلي.
قد يظنّ بعضهم أنّ الممثلة التي لعبت أدواراً نسائية جريئة، تحمل شيئاً من هذه الصفات في شخصيتها. لكن بمجرّد الجلوس والكلام معها، يتيقّن المرء أنّها خجولة جداً ومتصالحة مع نفسها إلى أبعد الحدود.
للحديث مع كارول نكهته الخاصة المطعّمة بالثقافة والخبرة الحياتية. تبدأ مقابلتها معنا بوصف المشهد الدرامي السائد حالياً: «ما تعيشه الساحة اليوم لا يمكن تسميته دراما التلفزيون، بل هي مسلسلات المنصات التي تحتل مساحة واسعة على الساحة». ترى عبّود أنّ الهوّة الفنية بين الأجيال المتعاقبة «تتسع أكثر مع الوقت. حتى بات كل شيء استهلاكياً في مجتمعات استحالت كلّها استهلاكية». تحرص على حماية نفسها من هذا الواقع، فتعيش في عالمها الخاص الذي يحتم عليها عدم الاستسلام والحفاظ على صفاء ذهنها وعدم الانجرار خلف «موضة الترند والتنميط»، على حد تعبيرها.
في المقابل، لا تخفي أنّها «ناضلت على المستويَيْن الشخصي والمهني للوصول إلى نوع من الثبات. أنا بنت المسرح الذي يخلق من بيئته. هكذا وجد وهكذا سيبقى. مع كورونا، تغيّرت الأجيال، واعتقدت أنّ المسرح قد شارف على الزوال، لكنّه استعاد بعض عافيته بعد الجائحة».
رغم انقطاعها عن الدراما، إلا أنّها تركت بصمة في الدراما التاريخية والاجتماعية التي تناولت مقاومة العدوّ الإسرائيلي: «في عامين 2013 و2014، شاركت في مسلسلي «قيامة البنادق» (تأليف محمد النابلسي، إخراج عمار رضوان) و«ملح التراب» (تأليف جبران ضاهر، إخراج إياد نحاس) اللذين عرضتهما قناة «المنار». لا أعتبرهما عملين دراميين، بل هما أبعد من ذلك بكثير، وبمثابة واجب أخلاقي في قضية أساسية هي المقاومة». وتضيف: «لاحقاً غبت لفترة عن الكاميرا، لكنّني كنت مشغولة في المسرح والسينما أيضاً. وقبل أسبوعين من اشتداد جائحة كورونا وفي عزّ الحراك الشعبي في لبنان، تلقيت عروضاً لثلاثة مسلسلات، فوافقت عليها وكانت لديّ مساحة لاختيار الأدوار».
تحضر في رمضان المقبل بمسلسل من بطولة ماغي بو غصن


وعمّا إذا كانت قد صُدمت بواقع الدراما بعد سنوات الغياب، تؤكّد أنّ هذا لم يحصل لأنّها «فهمت السوق جيداً، وأعرف أنّ الدراما باتت أشبه بتجارة أو تتداخل فيها جوانب عدّة. مع العلم أنّ وضع الممثل اليوم أفضل مما كان عليه سابقاً بسبب المسلسلات العربية المشتركة». لا تكتفي عبود بوصف تلك الفترة من رحلتها الفنية، بل تذهب أبعد من ذلك، قائلة إنّه «عند عودتي كان همّي أن تبقى أدواري عالقة في ذاكرة الناس. من هنا، كان لا بد من دور «سارية» في مسلسل «للموت» (كتابة نادين جابر، إخراج فيليب أسمر) الذي شكّل صدمة إيجابية لدى المشاهدين، فهي المرأة التي تجمع صفات عدّة، لتظهر بصورة اللعوب والمحتالة».
لم تقتصر العودة على «للموت»، بل أطلّت أيضاً في «صالون زهرة» (كتابة نادين جابر، إخراج جو بوعيد). تجربة تؤكّد أنّها لم تكن سهلة: «من الصعب النجاح في عمل كُتب للممثلة نادين نجيم. كانت «هنادي» تحدياً بالنسبة إليّ، لأنّها تشبه «سارية»، لناحية أنّهما تعيشان في حي فقير».
تواصل كارول عبود رحلتها في الدراما، إذ تبدأ قريباً تصوير مشاهدها في مسلسل «عرابة بيروت» الذي ينقل صورة بيروت في ستينيات القرن الماضي. كما ستحضر في دراما رمضان 2024 في مسلسل تلعب بطولته ماغي بو غصن وكتبته نادين جابر، ولم يتضح اسمه أو هوية مخرجه بعد.
هكذا، تعد كارول بالمضي قدماً في الدراما، من دون أن تخفي خوفها من الوقوع في مطبّات قد تعرقل رحلتها، بخاصة أنها مهووسة بتقديم الأفضل للمشاهدين.