شركة «بيكسار» علامة تجارية راسخة، فهي موضع حسد من شركات أفلام الرسوم المتحركة الأخرى، باستثناء «استديو غيبلي» طبعاً. منذ بدايتها مع «حكاية لعبة» (1995)، كانت مضمونة النجاح، وظلت تتربع على عرش شركات رسوم المتحركة بتقنياتها العالية وخيال مؤلفيها الخصب، فهي وضعت معايير عالية عديدة ليس فقط في ما يتعلق بالعرض المقدم للأطفال، ولكن أيضاً لسينما الرسوم المتحركة بشكل عام. لكنها تمر حالياً بمرحلة ركود بدأت منذ سنوات، من الواضح أن الذكاء والنضارة والأصالة وصلابة الخيال لم تعد ما يميز «بيكسار». تكمن المشكلة أن الشركة ومن ورائها من مؤلفين ومخرجين، لم ينتبهوا إلى اليوم أن المرحلة الذي ينقلب فيها استخدام نفس الصيغ ضدك قد بدأت، إما بسبب مسألة تآكل فكرة معينة مـتأثرة بعوامل التكرار، أو ببساطة لأن تفضيلات الجمهور قد تحولت في اتجاه آخر. Elemental (2023)، آخر إصدارات «بيكسار»، ينضم إلى القائمة الطويلة من الإخفاقات التي تؤثر على هذه الشركة المملوكة من «ديزني».من السهل جداً عدم استبعاد Elemental، من مسألة التكرار التي تعتمدها الشركة إلى حد ما منذ فيلم «Inside Out» (2015). يؤدي ذلك إلى إحساس بالألفة المفرطة التي لا تساعد أبداً القصة التي نعرف كيف ستنتهي. يتمتع العمل بسحر معين، وحيوية بصرية كما عودتنا الشركة، ولكن قبل أيّ شيء، يعتمد على العاطفة للتواصل مع المشاهدين. لا تزال «بيكسار» احترافية وخادعة بشكل مثير للقلق، تتلاعب بالعالم العاطفي لمشاهديها الصغار والبالغين.
بيتر سوهن (نائب رئيس الشركة الإبداعي) هو واحد من آخر المخرجين الذين لديهم نزعة كلاسيكية في الاستديو، وكان ذلك واضحاً في فيلمه الأول «الديناصور الجيد» (2015). في فيلمه الجديد، لجأ إلى التكرار المفرط والنكات المألوفة والقصص التي تهدف إلى إيصال رسائل عديدة. لكن هناك عينات واضحة متعددة من الافتقار إلى الدقة السردية في المفهوم العام للفيلم، وهو شيء لم يكن مسموحاً به على الأطلاق في إنتاجات الشركة العظيمة مثل «حكاية لعبة»، و«شركة المرعبين المحدودة» (2001)، و«البحث عن نيمو» (2003)، و«راتاتوي» (2007).
يطرح قضايا الهجرة والاندماج والتعايش مع الاختلاف


يأخذنا Elemental، إلى «مدينة العناصر» التي تتكون ــ كما يدلّ اسمها ـــــ من العناصر الطبيعية الأساسية. الماء، الهواء، الغاز، اليابسة، والنار. والأخير هو الأكثر خطورة، لذلك تظهر الشخصيات التي تجسد النار على أنها «غريبة» داخل مجتمع يبدو أنه وصل إلى التوازن المطلوب من خلال استبعادها. يعيش مجتمع النار في غيتو، منفصل عن المدينة، وهناك تعيش أمبر لومن (ليا لويس)، فتاة ذكية سريعة البديهة ومزاجية، ذات أحلام كبيرة. لكن واستمراراً للتقاليد، تدير المطعم التي أنشأته والدتها، وتقدم الخدمة إلى نفس المجموعة العرقية التي تنتمي إليها. كل شيء يتبع مجراه الطبيعي، إلى أن يدخل وايد (مامودو أثي)، إلى حياتها. وايد هو كائن من ماء، مفتش من عائلة غنية، شاب متذمّر وأبله، يفرض غرامات على كل شيء، ويريد إغلاق مطعمها بسبب عطل في السباكة في أول يوم كمديرة له. يبدأ القتال بينهما، ثم بالطبع يقعان في الحب وهنا يبدأ التفكير في أهمية الاختلاف والتكامل ووجود الأشياء المشتركة بين العناصر المختلفة.
أراد سوهن أن يخبرنا قصة، تستند إلى أصوله الخاصة باعتباره عائلة من المهاجرين الكوريين الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأميركية. يُظهر في الفيلم الصدمات الثقافية الأولية وصعوبة الاندماج، فضلاً عن العنصرية. بافتراض النية الحسنة، ينقل الفيلم مصطلحات «ثقافة الووك»، طارحاً قضايا الهجرة والاندماج، وثقل الإرث الثقافي، وتشكيل الهويات، والاحتكاكات الحتمية، والتعايش مع الاختلاف، ونبذ التمييز، دائماً في جو متفائل ومألوف. Elemental ترنيمة للتفاهم والتعاطف. لكن حتى في هذه الأفكار البسيطة جداً، كان واضحاً أن الفيلم وجد صعوبة في الالتزام بها لأنّه متناقض مثل شخصياته، من جهة يريد أن يكون «متيقظاً» ومن جهة أخرى يمتلك نظرة يمينية، مبرّراً التمييز ضد النار، إذ تُمارس العنصرية ضد النار بشكل معتدل والجميع متفق على ذلك، وهذا شيء طبيعي وجيد في النظرة الليبرالية التي بتبنّاها الفيلم. بسبب التناقض، لا يصل إلى عمق قصته ولا يطور حجته، يشعِّب كثيراً مواضيعه ليكون شاملاً من دون الأخذ في الاعتبار طريقة السرد. يصمّم الفيلم الشخصيات بطريقة يسهل التعاطف معها والتعرف إليها، ما يخدم التغييرات اللازمة في أدوار الجنسين ونماذج الذكورة. على سبيل المثال، لدينا الأب المحب الذي كرّس حياته لتربية عائلة ومتحمّس للحفاظ على الإرث الثقافي والمهني. فتى غني مضحك لا يخفي عاطفته ويبكي عند أدنى استفزاز، وفتاة قوية تريد أحداث ثورة في بيئتها وعالمها.
لا يمكن أن يكون الفيلم أكثر إبهاراً على المستوى البصري، إذ رفع الإمكانات البصرية للرسوم المتحركة إلى مستويات لم تتم الوصول إليها من قبل. جودة الرسوم المتحركة للعناصر، وخصوصاً المياه والنار ومحاكاة مظهرها وصفاتها وحركتها، إنجاز لا يمكن إنكاره. لكن لسوء الحظ، كل هذا ليس في خدمة قصة قوية. Elemental واحد من أفقر الأفلام من حيث الكتابة التي صنعها الاستديو على الإطلاق، وأقلها جاذبية. الفكرة رست مكانها، ولم تتقدم أو تقدم نفسها، وبقي كل شيء كما يقول العنوان نفسه، بدائياً للغاية، يمكن مشاهدته فقط بسبب إعجازه البصري، ولكنه عديم اللون والمذاق، مثل الماء.

Elemental في الصالات