«نحن لا نرفع الراية البيضاء إلا عندما يفوز ريال مدريد». هذه الجملة التي تقولها إحدى الشخصيات الرئيسية في المسلسل الشهير «لاكاسا دي بابيل» تنطبق على عدد كبير من جمهور ولاعبي إسبانيا. حتى أدباؤها يمكنهم الدخول على هذا الخط، إذ سبق أن قال الروائي خافيير مارياس (1951 ــ 2022) صراحة: «إلى ريال مدريد... مع حبي».
العشق الهائل للنادي الأكثر تتويجاً وربّما شعبية في العالم، وصل من دون شكّ إلى اللاعب الإسباني المعروف إيسكو الذي لعب لصالح النادي الملكي سنوات عدة، ثم انتقل إلى «إشبيلية» لأقل من نصف موسم قبل فسخ عقده، ويجلس بلا نادٍ. واللاعب لمن لا يعرف، هو فرانسيسكو رومان ألاركون سواريز، الشهير باسم إيسكو (1992). تخرّج من مدرسة فالنسيا للشباب، ولعب مع الفريق الأوّل لفالنسيا عندما كان يبلغ 18 عاماً، ثمّ انتقل إلى مالقة بعقد تبلغ مدته خمس سنوات. وبعد صراع بين ناديي «ريال مدريد» و«مانشستر سيتي»، حسم الأوّل الصفقة لصالحه، وأعلن في عام 2013 عن تعاقده مع إيسكو مقابل 24 مليون يورو بعد يوم واحد من تقديم الإيطالي كارلو أنشيلوتي كمدرّب لـ «ريال مدريد».
بعد خروجه من النادي، كان أبرز ما قاله عنه: «كان فريق أحلامي الذي فزت معه بكل ما تمنيت. لم أكن لأتركه ولو مقابل كل الذهب في العالم». وعلى الرغم من أن التنبؤات كانت تفيد بأنّه سيصبح خليفة الأسطورة الفرنسية زين الدين زيدان، لكن الرجل بهت وهجه قبل أن يتجاوز الثلاثين من عمره. وظلّ بعد خروجه من «إشبيلية» من دون فريق حتى إنّ «يونيون برلين» طلبه. وبعد الفحوصات الطبية، بدأ يتخلف عن وعوده ويغيّر في بنود العقد، فركب أوّل طائرة وعاد إلى بلاده. كل شيء كان يوحي بأنّه على وشك الموت المهني، إلى أن أتته الفرصة من نادي «ريال بيتيس» الإسباني الذي أعاده إلى الحياة فعلياً، ومنحه فرصة التألق مجدداً في دوريّه المفضّل. وبطريقة تستوحي المنطق الذي أعيد فيه إلى الملاعب، قدّم إعلان انتقاله بصيغة درامية مبهرة. لعلّها المرّة الأولى التي يتم فيها تطويع الدراما لصالح خدمة إعلان انتقال لاعب من هذا النوع. على شاكلة المسلسل الشهير «صراع العروش»، نتابع إيسكو متوفياً سريرياً في أجواء مثيرة ومترفة بعناصر التشويق. النيران المشتعلة والموسيقى المرافقة والرجل التاريخي الذي يقف خلف العرّافة وصوت خرير المياه، كلّها عناصر يتوّجها وجه إيسكو المعبّر الذي تغطيه بعض الدماء. يعبّر، رغم وسامته، عن معاناة عاشها، فيما تشرف عرّافة على تغسيله! لكنها فجأة تقول له: «أعلم أنّك تسمعني.. انتبه لما سأقوله جيداً... هناك الكثير من سحر كرة القدم في حذائك... شغف اللعبة ما زال لديك... هيّا افعلها... عُد واستمتع... حان الوقت أن تعود». ثمّ تضع يدها على صدره، كأنّها تنعش قلبه، وتشيح بوجهها كمن يثق بنتيجة ما فعلته وتخرج. نستمع إلى صوت إقفال الباب بطريقة موسيقية تصويرية مشغولة بقصد أن تكون قيمة مضافة للحالة الدرامية الجوهرية.
وما هي إلا لحظات حتى تحدث المعجزة. وبشهقة واحدة، يعود إيسكو إلى الحياة. وبعد كسر الإيهام، نعود للواقع لنرى الرجل بقميص ناديه الجديد وفي الحصص التدريبية على أرض الملعب. أكثر ما يميّزه انسجامه الواضح وفرحه الصريح. يأتي بعد ذلك تصريح للمدرب عن أهمية شراء إيسكو، يليه «فوتو مونتاج» سريع للأيّام التي كان يتدرّب فيها بمفرده.
ربّما تكون تلك الصيغة الأمثل والأكثر متعة في تقديم لاعب بالاتكاء على دراما عودته إلى الحياة، ليبقى الباب مفتوحاً أمام إيسكو. وكما متّع جمهور كرة القدم بسنوات الألق مع الملكي وفريق بلاده وبإعلان انتقاله إلى ناديه الجديد، بات يتوجّب عليه سبك دهشتهم مجدداً، بأداء مشرّف على المستطيل الأخضر!