لا يمكن إنكار غريزة ادغار رايت في خلط الأنواع السينمائية، والاقتباس من أفلام أخرى. مخرج أفلام «هوت فاز» (2007)، و«سكوت بليغرام يواجه العالم» (2010)، و«بيبي درايفر» (2017)، يثبت ذلك مرة أخرى في فيلمه الأخير «الليلة الأخيرة في سوهو» (2021). يضع رايت القليل من كل شيء، إثارة، رعب، موسيقى، ليحكي قصة قتل ودماء وأشباح تنتقل من الريف الإنكليزي إلى الليل اللندني، ليؤكد أن الصورة الزاهية الساحرة للندن في الستينيات من القرن الماضي، تخفي جانباً أكثر ظلماً. ينقلنا رايت إلى حقبة الـ swinging sixties، وكل ثقافتها، وكذلك إلى سوهو، والأشخاص الساذجين الذين يأتون من بعيد للعيش في هذه المدينة الكبيرة.أحد هؤلاء الأشخاص ألويز (توماسين ماكنزي)، الشابة التي تسافر إلى لندن (في الوقت الحاضر) لتحقيق حلمها، في الدراسة لتصبح مصمّمة أزياء. عندما وصلت إلى المدينة الكبيرة، فوجئت بعداء كبير من قبل رفيقاتها في السكن. يجبرها ذلك على الخروج واستئجار غرفة في مبنى في سوهو. منذ ليلتها الأولى، ستعيش ألويز تجربة ستربطها بـswinging sixties التي تعتبرها مثالية وتعبّر عنها وعن شخصيتها... تلك الحقبة التي تميّزت بثورة ثقافية وموسيقية وتحرر فكري وجنسي وحركات اجتماعية وسياسية مناهضة للحرب والأسلحة النووية. عند النوم، ستعود بالزمن من خلال الأحلام إلى تلك الحقبة، لتتفاعل وترى حياة شابة تُدعى ساندي (أنيا تايلور جوي)، ولكن سرعان ما سوف تتحول هذه الأحلام إلى كوابيس.
إدغار رايت أحد المخرجين المعاصرين القلة الذين نشعر بأنهم قريبون جداً من جمهورهم، بسبب تواجده المستمر على وسائل التواصل الاجتماعي، وقوائمه الموسيقية الذي يحدثها دائماً على «سبوتيفاي». وجديده فيلم بمثابة مقطوعة موسيقية مصنوعة من أغنيات البوب من حقبة الستينيات، تبدأ بسيلا بلاك وساندي شو وتنتهي بباري رايان. يبدأ «الليلة الأخيرة في سوهو» كدراما صوفية، ويستمر ليكون فيلم رعب نفسياً، يجبرنا على احتضان التجربة كلها بسبب الحرية الكامنة فيه. فهو عن رحلة الحياة في بداية الشباب، من خلال شخصية قادرة على رؤية ما وراء المكان والزمان، في معركتها ضد شياطينها والشياطين القادمين من زمن بعيد ليقضوا على أمنها، في خضم جرائم واختفاء وألغاز. فيلم يتأرجح بين الأفلام البوليسية والرعب.
يناقش قضايا اجتماعية حساسة، مثل الإساءة النفسية والجسدية للمرأة


الفيلم ترفيهي، لا شك في ذلك. واللغز يسهل جداً تخمينه، ومع ذلك، فإن هذا اللغز بالتحديد هو السبب الأساسي لمرافقة هاتين الفتاتين في رحلتهما، فضلاً عن الإتقان التقني الذي نعرفه عن رايت. يلعب المخرج بصرياً وسمعياً بموضوع الهوية والشخصيات الموجودة في أكثر من مكان في الوقت نفسه، ويستفيد من جميع الحيل التي تتيحها له الكاميرا خلال التصوير السريع والمكثف. ينجح في إضفاء الغموض الضروري في بعض الأمكنة، من دون أن يترك الكثير من المفاجآت.
يناقش الفيلم قضايا اجتماعية حساسة، مثل الإساءة النفسية والجسدية للمرأة، واستغلالها في الأعمال الاستعراضية، لكن الطريقة التي يخبرنا بذلك جاءت في غير محلها. لا يمكن إنكار أن رايت حاول أن يكون جدياً في طرحه لهذه المواضيع ولكن النتيجة جاءت عكسية، فالنقد الاجتماعي في الفيلم جاء وكأنه إضافة مفروضة لا مكان لها في الفيلم.
آثار الرعب الإيطالي (الجيالو)، واضحة في الفيلم وهذه إحدى قواعد أفلام رايت، التي لا تمنعه من صنع سينما شخصية، لأنّ رايت يلعب دوماً ضمن معاييره الخاصة ولو متأثراً بكثيرين. آثار سينما براين دي بالما واضحة كذلك، ناهيك بالتلميحات إلى أفلام ستانلي كوبرك وعلى وجه التحديد The Shining، وغيره من المخرجين والأفلام (يمكن رؤية الأفلام التي اقتبس منها رايت الفيلم على صفحته على «X»، وقد نشرها بنفسه).
«الليلة الأخيرة في سوهو»، أكثر أفلام رايت طموحاً، حاول فيه استكشاف مواضيع ومناطق لم يكتشفها من قبل، نجح في ذلك في بعض الأوقات وفي الأوقات الأخرى ابتعد عن نفسه قليلاً. ولكن هناك حقيقة واضحة لا جدال فيها، هي أنّ رايت يحب ما يفعله، أو بالأحرى بحب ما فعله الآخرون.


Last Night in Soho
على نتفليكس