عقدت «النقابة الوطنية للصحافيين» في تونس قبل أيام، مؤتمراً صحافياً حول تطورات الوضع في قطاع الإعلام التونسي، وخُصّص جانب كبير من المؤتمر لدراسة وضع إذاعة «شمس. أف. أم» التي صادرتها السلطة بعد سقوط نظام بن علي بعدما كانت ابنته سيرين بن علي تملك أغلبية رأس مالها. هذه الإذاعة كانت تنافس إذاعة «موزاييك» الأكثر استماعاً وأول إذاعة خاصة قبل أن تنهار وينقطع بثها في العديد من الجهات من البلاد وتوقف صرف أجور العاملين فيها الذين ينتظرون أشهراً من أجل الحصول على معاشاتهم. وقد اتهمت نائبة نقيب الصحافيين أميرة محمد السلطة بأنها تعاقب الإذاعة بسبب خطها التحريري وعدم وجود إرادة حقيقية لإنقاذ الإذاعة! إذاعة «شمس. أف. أم» ليست الوحيدة من المؤسسات الإعلامية المصادرة التي تعاني من صعوبات تهدد وجودها، فشركة الإنتاج «كاكتوس» التي كانت مملوكة لصهر بن علي بلحسن الطرابلسي، وكانت من أكبر شركات الإنتاج يعاني العاملون فيها من توقف أجورهم لأشهر. كما تعاني مؤسسة «دار الصباح»، أعرق مؤسسات الصحافة التونسية (تأسّست في عام 1951) من الصعوبات نفسها. وكان الرئيس التونسي قيس سعيد زار أخيراً مكاتب «دار الصباح»، معلناً أنّ لا مجال للتفريط فيها أو بيعها لأنها تمثل ذاكرة تونس و«الذاكرة ليست للبيع» على حد تعبيره. وكانت الدولة قد صادرت هذه المؤسسة (كانت تصدر ثلاث أسبوعيات أخرى ومجلة أسبوعية احتجبت جميعها) التي تصدر يوميَّتي «الصباح» وLe Temps الناطقة بالفرنسية بعدما اشتراها صخر الماطري صهر بن علي من ورثة مؤسسها الحبيب شيخ روحه.
الصعوبات المالية لا تتوقف عند المؤسسات المصادرة بل شملت حتى مؤسسة «سنيب لابراس» التي تصدر جريدة «لابراس» اليومية (تصدر منذ عام 1936) وجريدة «الصحافة» اليومية باللغة العربية (تصدر منذ عام 1989)، فهذه المؤسسة مملوكة للدولة وكانت من أنجح المؤسسات قبل عام 2011 وقبل أن يبدأ مسلسل الانهيار والعجز ليس عن دفع الأجور فقط، بل حتى تأمين انتظام الصدور. وقد زارها الرئيس سعيد في شهر آذار (مارس) الماضي وأكد على أن هذه المؤسسة ليست للبيع قبل أن يقرر دمجها مع «دار الصباح» في مؤسسة واحدة.
وضعيّة هذه المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة التي انهارت موازناتها المالية خلال ما يسمّيه التونسيون بـ «العشرية السوداء» التي قادتها «حركة النهضة» الإخوانية، تؤكّد على أنّ حرية الإعلام لا تكفي لاستمرار المؤسسات، فمناخ الحرية الذي يعيشه الإعلام التونسي منذ سقوط نظام بن علي، لم يشفع للعديد من المؤسسات بأن تستمر. هناك عدد من الإذاعات الخاصة توقفت عن البث مثل «كلمة» و«الرباط أف أم» وغيرهما، وحتى الفضائيات الخاصة تعاني من الصعوبات المالية منها قناة «التاسعة» التي عجزت عن تسديد أجور العاملين فيها.
بعد رحيل بن علي، تحرّر الإعلام التونسي، لكن ذلك لم يكن كافياً، فالتعددية الإعلامية لم تضمن حقوق العاملين في هذه المؤسسات، والصحافيون والتقنيون يدفعون ثمن فشل هذه المؤسسات وانهيارها. يبدو أنّ الحرية لا تكفي لصناعة مشهد إعلامي ناجح!