رغم كلّ ما يحدث في البلد من أزمات مفتعلة وغير مفتعلة وخضّات وجرائم، إلّا أنّ جريمة واحدة بقيت لسان الحال منذ ما يقرب من شهر. جولة واحدة على مواقع التواصل الاجتماعي تكفي لملاحظة أنّ قضية الطفلة المغدورة لين طالب لا تزال تتفاعل (trending)، بحيث يأخذها الناشطون على عاتقهم وكأنّها ابنتهم، لأنّها في جانب معيّن تحوّلت إلى ابنتهم حقّاً، وباتت بمثابة رمز للّبنانيّين نظراً إلى اجتماع كل المظالم في شخصها، من الاغتصاب والعنف إلى القتل من قبل عائلتها.

لكن لماذا التركيز على جريمة واحدة رغم ما حصل من جرائم مشابهة في الفترة نفسها؟ لعلّ الأمر يكمن أوّلاً في تحوّل الضحية إلى صورة عمّا يعيشه اللبنانيّون من أزمات على مختلف الصعد من دون عثورهم على متنفَّس، فوجدوا ضالّتهم في «فشّة الخلق» هذه، وخصوصاً أنّ جريمة لين طالب تتعدّى الجرائم الأخرى ببشاعتها (والأخرى بشعة) من حيث التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرّضت له الطفلة قبل وفاتها. لكنّ العامل المؤثّر الأساس هو لغز الجريمة الذي عزّزته طريقة تعاطي عائلة الضحية مع الجريمة منذ حصولها، من حيث التكتّم أو التآمر أو إخفاء هوية الجاني أو التحيير المتعمّد وغيرها من أمور تؤخّر سلوك التحقيقات طريق النهاية الحميدة.
هكذا، تحوّل المشهد إلى ما يشبه مسلسل Twin Peaks لكن في الحياة الحقيقية. المسلسل يدور حول مسار التحقيقات حول مقتل مراهقة بعد تعرّضها للاعتداء الجنسي، والأدلّة كافية لإثبات التهمة على عدد هائل من المتورّطين المحتملين، بمَن فيهم أفراد من عائلتها. هكذا هي حال جريمة لين طالب، حيث كلّ فرد من أفراد العائلة وُضع تحت مجهر الملامة افتراضيّاً، أكانوا من جانب الوالد أو الوالدة (والداها مطلّقان وكانت تنتقل بين عكّار والمنية). وبعدما كانت الأنظار تشخص نحو جدّ طالب من أمّها، بات التوجّس أيضاً من خالها، من دون درء النظر عن الجدّ ولا حتى الجدّة أو الوالد أو الوالدة. ببساطة، الكلّ متّهم، وإن لم يشارك في الجريمة قبل وفاة الطفلة البريئة فهو بالتأكيد شارك بعدها.
من المفترض أن يصدر الحكم بالجريمة قريباً، ما يعني حكماً استمرارها في التفاعل على مواقع التواصل. لكنّها تغيب في الآونة الأخيرة عن وسائل الإعلام التقليدية، بعكس ما كان عليه الأمر في بدايات توالي الأخبار عن الجريمة، ما يعني أنّه سيكون على الشاشات إفساح هوائها مجدّداً للقضية. مهما تضاءل اهتمام القنوات، إلّا أنّ لها دوراً محورياً يتمثّل في بثّ الأخبار الموثوقة عن التحقيقات وملابسات الجريمة، قطعاً للطريق أمام الأخبار الكاذبة التي تنتشر على مواقع التواصل بطريقة فيروسية.