في كواليس سوق الميديا في مصر، لا صوت يعلو فوق صوت التغييرات داخل «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية». لكنّ إدارة الشركة التابعة لجهاز المخابرات العامة في مصر، لا تضع مفاهيم مثل الشفافية والإفصاح على الطاولة. تسري الأمور عادةً بأن يتداول الجميع التغيير كشائعة في البداية، ثم يتأكد منها لاحقاً بطرق عدّة، ليس من بينها بيانات رسمية مفسّرة.
مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري

تغيير القيادات أمر ليس بالغريب على متابعي شؤون «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» منذ انطلاقها قبل نحو ستّ سنوات، واستحواذها تدريجاً على أكثر من 80% من سوق الإنتاج الدرامي والإعلامي والصحافي في مصر.
كل عامين تقريباً، يتم الإعلان عن تغيير في القيادات. الهدف غير المعلن الذي لا يجد المراقبون أيّ تفسير مخالف له، هو التخلص من القيادات القديمة التي شهدت نهوض سوق الميديا، وكانت تقود السوق قبل الاستحواذ عليه من قبل «المتحدة». يتم استبدال أولئك تدريجاً بوجوه جديدة ليس لها تاريخ في القيادة، وموالية بالكامل لمن يتحكّمون بالإعلام سياسياً من داخل النظام المصري. لكن الجديد في التغييرات التي بدأت الأفواه تتهامس بشأنها مطلع هذا الأسبوع، هو إبعاد شخصيات في الأساس محسوبة على النظام الحالي، وخصوصاً مدير قطاع الإنتاج هشام سليمان، ومدير المحتوى الدرامي يسري الفخراني. إدارات مركزية ليست لها أيّ لوائح عمل معلنة، بل هدفها وجود شخص واحد يتحكّم بكلّ المضامين والميزانيات التي تخصّ المسلسلات المعروضة على شاشات «المتحدة». بخصوص المناصب المستحدثة قبل سنوات، اختيرت لها شخصيات لا دراية لها في صناعة الدراما. هذا الأمر ينطبق تحديداً على يسري الفخراني الذي لم يكفّ العاملون في الصناعة، عن الشكوى من تدخّلاته في المحتوى، بحجج سياسية واهية، سواء كانت تلك الشكاوى علنيةً أو سريةً. وزادت الوتيرة في الأسابيع الأخيرة، ليفاجأ الجميع بأنه أوّل اسم جاء على لائحة التغييرات. لكن حتى لحظة كتابة هذه السطور، لم يُعلن رسمياً عن مغادرته. حتى إنّ المرشحة لخلافته الناقدة السينمائية والفنية علا الشافعي، فوجئ الجميع قبل يومين بتعيينها رئيسة لتحرير أكبر جريدة خاصة في مصر هي «اليوم السابع». هذا التخبّط طرح العديد من الأسئلة. قرأ الواقفون خلف الكواليس قرار تعيين الشافعي باعتباره تمكيناً للمرأة. لكنّ صيحات غضب مكتومة تم تداولها، تفيد بأنها ناقدة ومحررة سينمائية وفنية معروفة، لكن ما علاقة ذلك بالشأن السياسي اليومي، وخصوصاً أنّ هناك في الجريدة صحافيات أخريات متخصّصات في متابعة أخبار الحكومة والسياسة بشكل عام، قادرات على سدّ الفراغ. إذا كان تعيين امرأة رئيسةً للتحرير هو هدف سام لنظام عبدالفتاح السيسي، لكن العالمين ببواطن الأمور خرجوا بتفسير آخر، هو أنّ الهدف «تقزيم المناصب». والدليل ترشيح صحافية أخرى تدعى شيماء البرديني لرئاسة تحرير جريدة «الوطن».
غياب الرؤية الإصلاحية عن المنظومة الإعلامية التابعة لنظام السيسي


هكذا وكعادة نظام السيسي، منذ أن بدأ مغازلة المصريين بعبارة «أنتم نور عينيا»، يقرّر اختيار سيدات لرئاسة تحرير كبريات الصحف بحجّة تمكين المرأة. لكنهن على أرض الواقع لسن في مكانهن المناسب، بالتالي يتخلّص من القيادات التي أسست تلك الصحف والمحسوبة على الحرس القديم! الملفت أكثر من ذلك، هو تداول أخبار عن تعيين الشافعي خليفة ليسري الفخراني، أي إسناد مهمّتين رئيسيتين داخل «المتحدة» (إدارة المحتوى الدرامي وقيادة «اليوم السابع») لشخصية واحدة. مواقف تجعل المحلّل المحايد، عاجزاً عن الفهم. أما العارف بالكواليس، فسيتأكد من غياب أيّ رؤية إصلاحية لمنظومة الإعلام الرئيسية التابعة لنظام الرئيس المصري. تلا ذلك تداول أنباء عن خلافة عماد ربيع لهشام سليمان في إدارة الإنتاج الدرامي. وربيع أول رئيس لشبكة dmc التي انطلقت في أيلول (سبتمبر) 2016، وكانت تتبع رئاسة الجمهورية مباشرة. لكن بعد أقلّ من عامين، تمت إقالته واتهامه بإهدار المال العام، لكنه يعود للمنظومة نفسها من دون تبرئة أو اعتذار علني عن اتهامات قيل لاحقاً إنّها لم تكن حقيقية. لم يخبر أحد الجمهور عن سبب إبعاد هشام سليمان: هل بسبب إخفاق أم تغيير من أجل التغيير؟
يحدث كل هذا في السوق المصري، من دون أي بيانات رسمية، وسط ترقّب لوصول التغييرات إلى عدد كبير من رؤساء القنوات ورؤساء التحرير التابعين لـ «المتحدة» التي يثبت تتابع الأيام أنها «مفكّكة من الداخل»، وإن بدا على السطح ما هو عكس ذلك.