من جهة أخرى، يجب القول إن التمثيل «الموسيقي» لكايت بلانشيت كعازفة بيانو، أتى بجزء منه ممتازاً رغم صعوبته الفائقة لامرأة خمسينية تعلّمت بعض قواعد العزف على الآلة من أجل دورها في الفيلم (مثل مشهد العزف على البيانو في المعهد) وركيكاً جداً في جزء آخر (مثل مشهد عزفها على البيانو خلال جلسة تأليف في منزلها، وكذلك مشهد مرافقة عازفة التشيلّو خلال التمارين على كونشرتو إلغار أيضاً في منزلها). أمّا دورها في قيادة الأوركسترا، فأتى ركيكاً غالباً، لكن المفارقة أن هذه الركاكة لها إيجابية كبيرة، لأنها تعكس الواقع. فهذه «الركاكة» الشكلية حقيقة مشتركة بين معظم قادة الأوركسترا من النساء (ربما بسبب حداثة عهدهنّ في المجال، وهذا ينطبق على الرجال عندما يمارسون دوراً عُرِفت النساء به تاريخياً) وهو ما لا علاقة له بالنتيجة الفنية، التي لا شيء يمنع أن تكون ممتازة.
إليكم أخيراً بعض الأرقام، التي لا تفيد بشيء طبعاً، لكن من باب الإحصاء للدلالة على مدى انغماس الفيلم في الموسيقى.
جدّية في البحث الموسيقي التاريخي والنظري
إحصاءٌ قمنا به بأنفسنا، وقد لا يكون دقيقاً مئة في المئة، إذ ربّما فاتنا تفصيل في هذا البحر من المعلومات والأسماء التي لم يتوقّف ظهورها طوال الفيلم. إذاً، يُذكر في الفيلم تسع أوركسترات (من بينما أوركسترا العدو، وهي ذات مستوى جيّد بين أوركسترات الصف الثاني)، نحو أربعين شخصية موسيقية (مؤلفين وعازفين) بدءاً من عصر الباروك المبكر في فرنسا (لولي) وصولاً إلى نجوم حاليين. مع الإشارة إلى أن ثلاثاً منهم ذُكروا معاً، وهم شارل دوتوا وجايمس ليفاين وبلاسيدو دومينغو، لسبب مشترَك هو أنهم أول المتّهمين من حملة #MeToo في مجال الموسيقى الكلاسيكية. أما عدد الأعمال المذكورة في الفيلم، باستثناء كل ما خصّ سمفونيات مالر، فهو حوالي عشرة أعمال (أكثرها دلالة على جدّية الفيلم موسيقياً هي «أركانا» الصاخب جداً لإدغار فاريز و4’33 الصامت كلّياً لجون كايج). في ما خصّ الناشرين، يُذكر فقط في الفيلم اسم الناشر الألماني «دويتشيه غراموفون»، أولاً لأنه الأهم في فئته، ثانياً لأن موسيقى الفيلم صدرت عنده. أما الشخصية الموسيقية الوهمية الوحيدة التي يرد اسمها في الفيلم فهي «أندريس دايفس» الذي يتم تناوله بصفته القائد السابق لـ«أوركسترا برلين».