تربّع مسلسل «الزند ــ ذئب العاصي» (كتابة عمر أبو سعدة، وإخراج سامر البرقاوي) على عرش الموسم التلفزيوني في رمضان الماضي بلا منازع، واستطاع أن يحصد شبه إجماع جماهيري ونقدي. عرف صنّاعه كيف يقبضون على اهتمام وشغف المشاهد منذ الكلمات المفتاحية، وخصوصاً شارته «رفاق الدرب». وليس الأمر مجرّد مصادفة، بل كان ثمرة بحث عميق عمّا يشغف المنطقة التي تدور فيها قصة المسلسل، وكانت النتيجة: العتابا. أبيات من العتابا والمواويل التي ترتبط وجدانياً بهذه المنطقة، هو ما دفع عدداً من المغنّين إلى إعادة تأدية التتر الذي غنّته برهافة مها الحموي وحمل توقيع الموسيقي السوري آري جان (ألّف موسيقى تصويرية خاصة بالعمل أيضاً)، وخصوصاً أنّ الأغنية من تاريخ المنطقة وقد سبق لمغنّ شعبي اسمه برهوم رزق أن أدّاها، لكنها حظيت بشعبية كاسحة بعد إعادة إنتاجها بالصيغة المعاصرة واعتمادها كشارة لمسلسل أثار الاهتمام الوافي، ولا سيّما أنه يتكئ على نجم بحجم تيم حسن.

طبعاً، الشغل الموسيقي المحترف أنجزه آري جان، وهو خرّيج «المعهد العالي للموسيقى» في دمشق عام 2012، بإشراف الموسيقار الأذربيجاني عسكر علي أكبر. جرّب سابقاً في مكامن عدة الابتكار من خلال آلة البزق التي يعزف عليها، كما أنّه بحث في التراث السوري الغني بما فيه من مكونات عربية وسريانية وكردية، واستوحى من الواقع السوري الأليم بالاتكاء على ما نحمله كسوريين من تنوّع وما عشناه من مآسٍ وخصوصاً في العشرية السوداء. أنجز موسيقى تصويرية لأعمال درامية محلية، ومجموعة من الأغاني. اشتغل مع جيل شاب ومغنيات ناشئات وأنجز لأصالة نصري أيضاً، لكنّ لحظة تتويجه المهني كانت في أغنية «رفاق الدرب».
النجاح الوافر لهذه الأغنية وضع آري جان أمام مطالب الجمهور لإحياء حفلة تؤدي فيها السورية المغتربة مها الحموي تلك الأغنية، إلى جانب مختارات أخرى. وربّما تكون سارة فرح التي لعبت دوراً مهماً في العمل وأدّت بعض الأغاني الجميلة فيه حاضرة أيضاً في السهرة نفسها. لكنّ حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر. هذا ما أوضحه آري أخيراً على صفحته الشخصية على فايسبوك، عندما نوّه بأنّه بعدما تلقّى طلبات عدّة من الجمهور لإقامة حفلة وإثر اجتماعه بمها الحموي بعدما سجّلا «رفاق الدرب» عن بعد، «كان الأمل إثر نجاح الأغنية أن يكون لقاؤنا الأول على أحد المسارح في بلدنا، لنسمعكم العمل مباشرة». لكنه أوضح أنّه «رغم كلّ محاولاتنا للتواصل مع «الأوركسترا السورية» و«مهرجان ليالي القلعة» و«مديرية المسارح والموسيقى» وشركات تنتج حفلات في الشام، لم نستطع تحقيق هذه الرغبة، ولم نعرف الطريقة المناسبة لإقامة حفلة في بلدنا، عدا عن أنّنا لا نتلقى ردّاً من بعض الشخصيات التي نتواصل معها». ثم ختم المنشور قائلاً: «لا بد من أن نتوجّه لكم باعتذار عن حفلة لم نستطع تنسيقها، على أمل أن تبقى كلماتكم واستماعكم هي طاقتنا الحقيقية عسانا نقدر على الاستمرار لنردّ لكم جميلكم».
من جانب آخر، من المرجّح أن يكرر سامر البرقاوي تعاونه مع الموسيقي السوري الشاب في مسلسله الجديد «تاج» (كتابة عمر أبو سعدة، وإنتاج «صبّاح إخوان» ــ رمضان 2024). فالعمل الذي شغل الناس كونه يُعيد جمع النجمَيْن بسّام كوسا وتيم حسن، يروي حكاية درامية بالاتكاء على حقبة تاريخية سورية، لا بد من أنّها تحتاج إلى بحث موسيقي لصوغ المكامن الجمالية التي تشكّل قيمة مضافة، وتمهيداً خصباً للطريق نحو المشاهد!