ابتداءً من الغد، ستمتلئ شوارع وحواري العاصمة الأردنية بعروض الفن السابع. إذ يعود «مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أول فيلم» بدورته الرابعة حتى 22 آب (أغسطس) تحت شعار «العروض السينمائية التي تسلّط الضوء على أصالة وقوة الشكل في استخدام الفيلم كأداة». وكما في دوراته السابقة، يركّز المهرجان على الأعمال الأولى في الإخراج والتمثيل وكتابة السيناريو والمونتاج، من خلال أربع فئات تنافسية تمنح جائزة «السوسنة السوداء»، بالإضافة إلى جائزة «فيبريسكي» (جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين) لأفضل فيلم وثائقي عربي. هذه السنة، اختار المهرجان «حكايات وبدايات»، تيمة تعكس جهوده الرامية إلى دعم المواهب الناشئة وترويج حكاياتها على الشاشة. كما أعلن عن انضمام المخرج رايدلي سكوت إلى مجلسه الاستشاري، إذ سيسهم السينمائي البريطاني في صقل مستقبل المهرجان ودعم رسالته التي تسعى إلى عرض أفضل الأعمال السينمائية الناشئة.ويستضيف قسم «الأول والأحدث» صنّاع أفلام مخضرمين، مضيئاً على أعمالهم وتطوّر أسلوبهم في صناعة الأفلام على مرّ السنين. ضيفة هذا العام هي المخرجة مي المصري، التي ستأخذنا في رحلة تبدأ من فيلمها الأول وصولاً إلى أحدث إنتاجاتها. يضم البرنامج هذه السنة 56 فيلماً من عامَي 2022 و2023، تتنوّع بين الروائي والوثائقي والطويل والقصير من 19 دولة. عروض عربية تضيء على الواقع الاجتماعي والسياسي والأمني وتستعرض الأزمات النفسية والاجتماعية التي تعانيها المجتمعات العربية في إطار درامي وكوميدي. تستعرض بعض الأفلام أيضاً الواقع العربي في البلاد التي عانت ولا تزال من آثار الحروب والاحتلال. تُعرض جميع الأفلام للمرة الأولى في الأردن، من ضمنها 11 فيلماً في عرض عربي أول وخمسة أفلام في عرض عالمي أوّل. ويستضيف المهرجان للسنة الثالثة قسماً خاصاً خارج المنافسة هو «موعد مع السينما الفرنسية العربية»، حيث تُعرض سبعة أفلام طويلة إما فرنسية أو من إنتاج مشترك مع فرنسا. وللسينما الأردنية حصّة من خلال قسم «إضاءة على الأفلام الأردنية القصيرة»، حيث ستُعرض أفلام أردنية قصيرة لمخرجين مكرّسين. تنظم العروض في «سينما تاج» و«سينما السيارات» في العبدلي و«الهيئة الملكية الأردنية للأفلام» و«مسرح الرينبو».
يفتتح المهرجان فيلم «أسبوع غزاوي» للفلسطيني باسل خليل، الذي يروي بطريقة كوميدية، قصة عزل إسرائيل دولياً بعد تفشي فيروس قاتل، فتصبح غزة هي المكان الأكثر أماناً الآن. هنا يحاول الإسرائيليون اليائسون البحث عن ملاذ هناك، لكنهم يُفاجؤون عندما يجدون أنفسهم عالقين في قبو في غزة مع مجموعة تنتمي لحركة «حماس».
من لبنان يشارك زكريا جابر بفيلمه الوثائقي الأول «قلِقٌ في بيروت» الذي يروي قصة مدينته من خلال عرض تقاطعات مواضيع الشارع والمواضيع الشخصية، والعام والخاص، والصغار والكبار كي يحصل على جواب عن سؤاله: لماذا نحن قلِقون في بيروت؟ يشارك أيضاً المخرج اللبناني المعروف كارلوس شاهين بفيلمه الروائي «أرض الوهم» الذي ينقلنا إلى عام 1958، من خلال قصة ثلاث شقيقات من عليّة القوم في المجتمع المسيحي، يُمضين إجازتهن في الجبل اللبناني. إلا أنّ أخبار الثورة المندلعة في بيروت ومجيء اثنين من المصطافين سيعكران صفو القرية.
الإفتتاح مع فيلم «أسبوع غزاوي» للفلسطيني باسل خليل

يتناول الفيلم مواضيع العائلة والنساء، والمجتمع البطريركي الذي يضعهن تحت هيمنته، ويسأل: هل يمكن لامرأة أن تصنع قدراً مختلفاً عن ذاك الذي يخطّه لها الرجال؟. سوف يعرض أيضاً فيلم المخرج اللبناني علي شرّي «السدّ» خارج المسابقة في قسم «موعد مع السينما العربية الفرنسية». «السدّ» باكورة شرّي حيث نجد أنفسنا في دوامة من الرياح والرمال والهواء والطين، ونتتبع قصة ماهر المحاصر بين الصحراء والماء، بينما أصوات تهمس له وأخبار الثورة السودانية تتقاذفه. فيلم شرّي يرمينا في حقبة تاريخية غير بعيدة، تحديداً عند الثورة التي سبقت وأطاحت بعمر البشير، لتتسع التجربة السينمائية، وتصبح كابوساً تحت عدسة شري الذي يتقن تمرير الارتباك والشك في كل مشهد بسلاسة فائقة. تشارك أيضاً اللبنانية دانييلا اسطفان بفيلمها القصير «غروب بيروت» الذي تروي فيه قصة مونيا العشرينية التي تبحث عن قطتها في مدينة بيروت المدمرة الآن. برفقة صديقها المقرب غدي، المهتم أكثر بمغازلة الصحافية البريطانية، يشرعان في رحلة للعثور على ما تم أخذه منهما.
في بغداد يُطلق على مطامر النفايات لقب «الحدائق المعلقة»، ومنها ينطلق المخرج العراقي المعروف أحمد ياسين الدراجي في فيلمه «جنائن معلقة» ليروي قصة أخوين يكسبان لقمة العيش من عملهما في المطامر. عندما يكتشف الأخ الأصغر دمية جنسية من مخلفات الجيش الأميركي، تنقلب حياته بسبب الموضع الاجتماعي والديني والأمني في المدينة. ومن بغداد أيضاً، ينقلنا المخرج كرار العزاوي في فيلمه الوثائقي «بغداد تثور» في رحلة مليئة بالتحديات مع طيبة الشابة التي تناضل من أجل الحرية والمساواة، بينما الشباب يتظاهرون وينتفضون ضد كل الفوضى والفساد والطائفية التي ولدت بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003.
في تونس العاصمة، وفي إحدى عمارات حي حدائق قرطاج الذي أنشأه النظام القديم قبل أن تتوقف أعمال بنائه في بداية الثورة، اكتشف عنصران من الشرطة، جثة متفحمة. بدأ المحققان يتعمقان في لغز هذه القضية الغامضة، لكن عملية التحقيق تتخذ منعطفاً محيّراً عند وقوع جريمة مماثلة. هذه الجرائم يتعمق بها التونسي يوسف الشابي في فيلمه الإشكالي «أشكال». أما مواطنه لطفي ناثان، فيركز في فيلمه «حرقة»، على قصة معاصرة عن المقاومة: قصة شاب تونسي يحلم بحياة أفضل، ويكسب عيشه المحفوف بالمخاطر من بيع الغاز الممنوع في السوق السوداء المحلية. عندما يموت والده فجأة، يضطر لتولي مسؤولية شقيقته الصغرى ويواجه خطر طردهما الوشيك، فلا يسعه إلا الكفاح من أجل الكرامة. من تونس أيضاً، تشارك أريج السحيري بفيلمها «تحت الشجرة»، الذي تجري أحداثه على مدار يوم واحد، ويقدم حواراً بين الأجيال، بين مجموعة من المراهقين والأكبر سناً أثناء عملهم في موسم الحصاد الصيفي، والتنقل في التضاريس المعقدة لبناء أعمق العلاقات.
وثائقي من المغرب بعنوان «شظايا السماء»، ينقل فيه المخرج عدنان بركة قصة محمد (رحالة) وعبد الرحمن (عالم) وغيرهما من البدو الذين يبحثون عن الحجارة في اتساع الصحراء المغربية. هذه الحجارة السماوية لها القدرة على تغيير حياة أولئك الذين يجدونها. يبحث الجميع عن الحجر نفسه، ولكل واحد أسبابه الخاصة. من المغرب أيضاً يشارك فيلم روائي لعمر مول الدويرة، بعنوان «صيف في بجعد»، وفيه نعود إلى صيف 1986، عندما يعود كريم المراهق الملاحق من شبح والدته الميتة، لقضاء إجازته في بجعد القرية المغربية الصغيرة وموطن أسرته. يتبع كريم أباه بعد أخذه تعويضاً مادياً مقابل عمله لمدة عشرين عاماً في أحد المصانع في فرنسا التي هجرها. يحاول كريم بشتى الطرق أن يفوز بحب والده الذي ألهته الدنيا وشغلته عن ابنه ويعاني «الطفل الفرنسي» في الانخراط في مجتمع لا يشبهه من عائلة جديدة ورفقاء جدد إلى أن يلتقي بمهدي الشخصية الغامضة.
الفلسطيني فراس خوري يقدم فيلمه الجديد «علم»، الذي يخبرنا فيه قصة تامر المراهق الفلسطيني، الذي تعج هويته بالكثير من التناقضات، فهو شاب هادئ ينتمي وأسرته للطبقة الوسطى. ونزولاً عند رغبة والديه، لا يتدخل في السياسة، شأنه شأن صديقيه في المدرسة الثانوية. وفي أحد الأيام، تظهر ميساء، زميلته الجديدة وهي شابة جميلة وواثقة بنفسها ومنخرطة سياسياً. ظهورها هذا يقلب حياته رأساً على عقب. وحين يتقرب منها يتغير تحت تأثيرها، ويبدأ في تحرير نفسه من حواجزه الشخصية ويجرؤ على امتلاك عين ناقدة لواقع بيئته، وينضم تامر مع أصدقائه في عملية محفوفة بالمخاطر.
مدينة اللد التي عاشت أحجارها أكثر من 7 آلاف سنة وكانت يوماً ما مدينة فلسطينية مزدهرة قبل أن تقع تحت الاحتلال الصهيوني في عام 1948 ويذبح المئات وينفي الآلاف من أهلها، تحضر في وثائقي «لد» للمخرجين رامي يونس وسارة إيما فريدلاند. يكشف ساكنو المدينة في حكاياتهم الكثير عن اللد، بينما يتجرأ الفيلم على طرح منظور افتراضي لمستقبل المدينة إن لم تحتلها إسرائيل أبداً.
أما في قسم الأفلام العالمية، فيشارك فيلم «بعد الشمس» للمخرجة شارلوت ويلز. إنّه أحد أجمل أفلام عام 2022. «بعد الشمس» فيلم دقيق وبارع عن الذاكرة، وعبور الذكريات ومحاولة تهدئة الألم الناتج من الغياب. كما أنه مقدار الحقيقة المحاطة بالصور الصامتة وكل ما يبقى هو ذاكرة محكوم عليها بالتلاشي. «بعد الشمس» وليمة للعيون، يغلفه حب غير مشروط، بين أب وابنته لا يريدان الحد من عواطفهما، حتى عندما يكونان على منحدر خطير. ينتمي الفيلم إلى فئة المعجزات الصغيرة، والظهور الأول لتشارلوت ويلز هو جوهرة الاهتمام بالتفاصيل. صدمتنا ويلز ببراعة عملها الدقيق، برقصتها البطيئة عن الحياة وخاتمة مفجعة على أنغام فريدي ميركوري وديفيد بوي وأجساد أبطالها تترنح في وئام مليء بالحميمية، وحنين أب إلى الماضي وتعلق ابنة بحاضر أشرطتها المصورة. هكذا، تحت السطح المضيء لفيلم صيفي خفيف، يظهر أحد أكثر أفلام الموسم تدميراً.

«مهرجان عمّان الدولي السينمائي الدولي – أول فيلم»: بدءاً من الغد حتى 22 آب (أغسطس) ـــ العبدلي (عمان) ـــ aiff.jo/ar