قدّم مسلسل «24» الشهير تجربةً جديدةً في عالم التلفزيون (على قناة «فوكس» الأميركيّة في مواسم عدة بين عامَي 2001 و 2014) حيث يحارب ضابط مكافحة الإرهاب الأميركي جاك باور (كيفر ساذرلاند) الأشرار المتربصين بالولايات المتحدة، يوماً بعد يوم، في الوقت الفعليّ، ليغطي كل موسم في 24 حلقة يوماً واحداً في حياة البطل العصي على الانكسار وهو يتعامل مع محاولات الاغتيال، والهجمات النووية، والإرهاب البيولوجي، والخطف والتعذيب، والخونة، والخلايا النائمة. تلك التجربة الخاوية تماماً من القيمة الفكريّة نجحت، مع ذلك، في البقاء على قيد الإنتاج والعرض لعقد ونصف العقد، مستفيدةً من مناخ البارانويا الذي نشأ في الولايات المتحدة بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر، وحضور ساذرلاند المحبب على الشاشة، والتوتر اللحظي مع تقدم عقارب الساعة، رغم اضطرار فريق العمل إلى فتح قصص جانبيّة موازية لملء الوقت.
جورج كاي (صانع مسلسل «لوبين» على نتفليكس) ورفيقه جيم فيلد سميث (تشاركا إنتاج مسلسل «كريمنال: يو كيه» على نتفليكس أيضاً) استعانا بتلك الصيغة لتقديم باكورة تعاونهما مع «أبل. تي. في. بلس»: مسلسل «اختطاف» Hijack. في حلقات سبع، يروي المسلسل، في الوقت الفعليّ، حادثة اختطاف طائرة مدنيّة تتبع لشركة طيران بريطانيّة (تدعى «المملكة») بينما هي في رحلة عادية من دبي إلى لندن. تتمحور الأحداث حول شخصيّة مركزية تسمّى سام نيلسون يعمل كمفاوض تجاريّ بريطاني متمرّس صودف وجوده على متن الرحلة (يلعب دوره الأسمر الكاريزمي فارع الطّول إدريس إلبا)، ويتولى تلقائياً قيادة علاقة الركاب بالخاطفين الخمسة الذين استولوا على الطائرة بعد وقت قصير من الإقلاع، محاولاً إنهاء الحالة بسلام، ومن دون خسائر، عبر إدارة التوتر بين مختلف الأطراف الرّكاب والطّاقم والخاطفين، كما سلطات الملاحة على الأرض.
الموسم القصير (سبع ساعات تلفزيونية)، والأحداث المتلاحقة في المساحة الضيقة التي حُشر فيها سام مع الخاطفين والركاب الآخرين معاً طوال الرحلة المكتملة العدد، بدت أقدر من مسلسل «24» على الحفاظ على ترقّب المشاهد عالياً جلّ الوقت، من دون الحاجة إلى الكثير من التفاصيل الجانبيّة والحشو السرديّ وتعدد الشخصيات التي حاول من خلالها صنّاع المسلسل ملء الدقائق، حتى كادت أن تفلت سبحة الحكاية من أيديهم مع اقتراب انتصاف المسلسل، لولا أن أنقذهم، مرّة بعد مرّة، الحضور السحري الآسر لإدريس إلبا تحديداً. هذا الممثل الذي قدّم أعمالاً مهمة في تاريخ التلفزيون في القرن الحادي والعشرين (مسلسل The Wire الأميركي وLuther البريطاني) محظوظ بقدرته على إضفاء الجاذبية والأهميّة على أي عمل يحضر فيه حتى خلال أكثر المواقف سخافة. وفي الحقيقة، فإن المضمون الفكري للمسلسل لا يقلّ ضحالة عن مصدر إلهامه الأميركي (مسلسل «24»)، وبالتأكيد لم يكن ليحظى بالمتابعة الجماهيريّة التي حصدها من دون مشاركة إلبا (يقوم أيضاً بدور المنتج المنفّذ للمسلسل).
الخاطفون الذين نفهم من تصرفاتهم أنّهم يمتلكون إرادةً حديدية وخطّة متقنة للسيطرة على الطائرة، ومن ثم انتظار التعليمات من المحرّض لتحديد الخطوة التالية يقودهم ستيوارت (نيل ماسكيل) المتماسك الأعصاب. لكننا لا ندرك سريعاً نواياهم أو دوافعهم، وسننتظر لما بعد نصف المسلسل كي نطّلع على قائمة مطالب سُلِّمت لمسؤول حكومي بريطاني على الأرض، ما يزيد من حدّة التشويق توقعاً للحلقة التالية، ويذيقنا، كمشاهدين، من كأس الارتباك التي يتجرعها الرّكاب. ومع ذلك، فإننا ننتقل من الحيّز الضيّق للطائرة المكتظة إلى الأرض - في دبي أو بودابست لكن بشكل رئيسيّ لندن - حيث تطورات أخرى كثير منها متكلّف، وشخصيات متعددة تظهر بكثافة غير معقولة مع تقدّم الأحداث.
يقطع الخاطفون، بينما هم في انتظار التعليمات من مشغليهم، الاتصالات عن الطائرة والرّكاب، ولذلك تسافر الطائرة لبعض الوقت من دون أن تدرك أبراج المراقبة أنّها مخطوفة لكن سام نيلسون نجح، قبل تسليم هاتفه، للخاطفين في كتابة رسالة نصيّة حول وجود خلل ما بشأن الرحلة. بعث الرسالة لمارشا (كريستين آدامز)، زوجته المنفصلة عنه، التي صودف أنّها كانت تعاشر ضابط شرطة، يصدف أيضاً أن عشيقته السابقة ضابط رفيع في دائرة مكافحة الإرهاب، وهكذا إلى أن يتسبب خبر الرسالة النصيّة في إثارة شكوك بعض أفراد الطواقم الأرضية في لندن، ولا سيّما أليس سنكلير (تلعب دورها الممثلة القديرة إيف مايلز) التي تدرك سريعاً – بالخبرة أو بالحدس لا ندري - أن ثمّة شيئاً غير طبيعيّ يجري على متن رحلة طيران «المملكة» تلك. تزداد الإثارة مع ميل السلطات الحكوميّة في هنغاريا ولندن لتوقع احتمال استخدام الطائرة لتفجير أهداف معينة على غرار الطائرات المخطوفة خلال حادثة الحادي عشر من سبتمبر، وبالتالي الاستعداد لاتخاذ قرار بإسقاطها والتضحية بالركّاب حمايةً للأهداف المحتملة.
وبينما يحاول سام وأليس غاية جهديهما لإبقاء الأمور قيد المعالجة الهادئة بين الخاطفين وأبراج المراقبة عبر المجالات الجوية التي تقطعها الطائرة، فإن وزير الداخليّة وغيره من القيادات البريطانية المعنيّة، ينخرطون بدورهم في نقاشات مثيرة حول ما يجب فعله تجاه طائرة خارجة عن السيطرة تتجه بلا توقف نحو العاصمة البريطانية إحدى أكثر المدن اكتظاظاً بالسكان في العالم. على أنّ تلك اللحظات من الرقص على حافة الهاوية تسرق نجوميّة الحالة المتوترة داخل الطائرة، وتضيع منّا فرصة متابعة تطور سلوكيات الخاطفين والركاب معاً في طنجرة الضغط التي تحلق على ارتفاع ثلاثين ألف قدم، ولم تسمح لأي من الشخصيات - سوى سام نيلسون بالطبع – بالخروج من سجن التسطيح والمباشرة، مع أن أدوار زعيم الخاطفين، والخاطفة الأنثى بيلا (لعبت دورها ايمي كيلي) امتلكا فرصة ضاعت بالفعل لتعميق طبيعة التفاوض الجاري طوال الوقت، بين الخاطفين أنفسهم، ومع الركاب والطاقم – ولا سيّما سام نيلسون – وكذلك مع المراقبة الجويّة والسلطات.
الثيمة الاستثنائيّة التي يطرحها هي طبيعة السلوكيّات الإنسانيّة في ظلّ ظروف التفاوض الحادة


تتطور الأحداث بشكل مفاجئ ومثير للإعجاب خلال الحلقة الأخيرة من الموسم الأوّل، وفق الوصف الرسميّ رغم أنّ أحداً لم يؤكد إلى الآن على فرضيّة إمكان وجود موسم أو مواسم لاحقة، ما يعوّض بعض التهلهل الذي أصاب الحكاية بعد الحلقات الثلاث الأولى. وبالتأكيد، يظلّ إلبا مركز الحدث دائماً فيما تمضي الرحلة دقائقها الأخيرة فوق لندن.
بغير مطلق الإثارة الذي يبني عليه صانعو العمل مسلسلهم، فإن الثيمة الوحيدة الاستثنائيّة التي يطرحها «اختطاف» من دون أن ينجح في معالجتها، هي طبيعة السلوكيّات الإنسانيّة في ظلّ ظروف التفاوض الحادة التي يسهل دائماً وصولها إلى لحظة الانهيار وعدم التوافق وبالتالي الخسارة المشتركة لجميع الأطراف، وكذلك الدوافع الوجوديّة الفرديّة الأعمق عند المفاوضين للاستمرار في جهودهم والبحث عن حلول خلاقة تحت الضغوط، فيما يتجاوز مشاعر الترابط العائلي التي لم تكن مقنعة بشكل كاف في المسلسل لتبرير كل الوقائع.
في النهاية، فإنّ «اختطاف» على كل مثالبه، حقق على الأقل استعادة إدريس إلبا إلى الشاشة. أمر يستحق الاحتفال، رغم أن هذا العمل أقل بكثير من مستوى موهبته، ودون قدرته المثبتة على تقديم شخصيات عميقة ومؤثرة أكثر بكثير من دور المسافر «سام نيلسون».

* Hijack على Apple TV+